الذهب يهبط لكن يتجه لتحقيق مكاسب أسبوعية    المركزي الروسي يخفض سعر الروبل مقابل العملات الرئيسية    مدينة سلطان للخدمات الإنسانية ووزارة الصحة توقعات اتفاقية في مجال أمراض الدم    "الأرصاد" هطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    مضمضة الكربوهيدرات    5 مؤشرات على نقص المغذيات في الجسم    جامعة كاليفورنيا: الموسيقى تقلل الحاجة للمسكنات بعد الجراحة    فقاعات.. وخوارزميات !    «حزب الله» خطر على سورية    وزير الاقتصاد والتخطيط يلتقي نائب رئيس الوزراء وزير الاقتصاد والمالية في جمهورية أوزبكستان    الإرجاف.. والتضليل    Spider-Man 2 على الكمبيوتر الشخصي بداية العام القادم    شرطة مكة: لا صحة لادعاء اختطاف وافدة من الجنسية الأردنية    هاكر يكشف مخاطر الإنترنت العام    مشروب يخلصك من آلام الظهر والصداع    أسرة الشهابي تتلقى التعازي في فقيدها    خالد المالك: «هيئة الصحفيين» تمارس عملها على الكفاف!    فرحة عارمة للاعبي الأهلي بعد التتويج بكأس السوبر المصرية    الخليج يتجاوز الوحدة بثلاثية في دوري روشن للمحترفين    المعرض الزراعي السعودي 2024 يختتم فعالياته ب 12 اتفاقية إستراتيجية    البرتغال تزيد من تواجد الشرطة في لشبونة بعد إضرام النار في حافلات    الاتحاد الأوروبي يعرب عن انزعاجه الشديد إزاء وجود جنود كوريين شماليين في روسيا    الناعقون وشيطنة «السعودية»    الاتحاد السعودي لكرة القدم ينهي التعاقد مع مدرب المنتخب "روبرتو مانشيني"    كونوا أحياء    من صراع الأدوار إلى تدافع الأفكار    تعليم البكيرية يشارك في معرض القصيم للأولمبياد الوطني للإبداع العلمي "إبداع 2025"    السنة المهجورة.. خدمة الرجل لنفسه ومساعدته لزوجته    لا تصغوا إلى ما يقوله النقاد    إقالة الايطالي مانشيني من تدريب المنتخب السعودي    لكنهم لا يفهمون!    إيران بين السلام.. ومشروع الهيمنة!    النقد أداة سلوكية    كانتي يقود نادي الاتحاد لفوز صعب على الرياض    «الدفاع المدني»: أمطار رعدية على معظم مناطق المملكة من الجمعة حتى الثلاثاء    مفتي قيرغيزستان ينوه بجهود المملكة في خدمة الإسلام والمسلمين    إحباط تهريب (330) كيلوجرامًا من نبات القات المخدر في جازان    «سلمان للإغاثة» يساند جهود الأمم المتحدة في إغاثة المحتاجين والمتضررين    كادي الخثعمي بطلة لتحدي القراءة العربي 2024    وزير الخارجية يلتقي الرئيس الفلسطيني والأمين العام للأمم المتحدة    دروس قيادية من أم المؤمنين خديجة بنت خويلد    محمية الشمال للصيد.. رؤية الحاضر بعبق الماضي    فيصل بن مشعل يستقبل مدير للعيادات الشاملة التخصصية لقوى الأمن بالقصيم    دلالات الصراع الذاتي في رواية «سادن»    وزيرة الدفاع الإسبانية تستقبل وزير الدفاع ويعقدان جلسة مباحثات رسمية    شواهد تاريخية    نائب أمير مكة يتوّج الفائزين بجائزة مكة للتميّز في دورتها ال 16    القبض على 4 متورطين في حملة كراهية تجاه فينسيوس    السعودية للكهرباء تختتم مشاركتها في ملتقى توطين قطاع الطاقة بتوقيع اتفاقيات تتجاوز قيمتها 54.7 مليار ريال    أمانة عسير تستعيد 6مواقع تم التعدي عليها في نطاق مدينة أبها    ارتفاع الصادرات غير البترولية بنسبة 7.4 % خلال أغسطس 2024    أمراء ومسؤولون يعزون في وفاة المهندس سامي مقبول    وزير الدفاع يجتمع مع عدد من رؤساء كبرى الشركات الصناعية الإيطالية    نائب أمير الرياض يعزي أسرتي بن شوية وبن حضرم    «الحسكي».. واحات طبيعية ومكونات سياحية مميزة    حدثوني عن مقبرة الأحلام    السفير الإيراني يزور مجمع طباعة المصحف الشريف    نائب أمير الرياض يعزي ابن شوية وابن حضرم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«قاعدة» للصخب والفرقة

أصبح مفهوم «القاعدة» مرتبطاً بابن لادن، فما أن تذكر «القاعدة» حتى يتبادر للأذهان أسامة بن لادن، وتاريخ طويل من الصراع السياسي العالمي المسحوب من أرضية عسكرية مدججة بالأسلحة، استخدمت فيها العقائد والقيم في حربها الضروس للقضاء على الأعداء، وعقب معاناة مريرة استأصلت شأفة الخصوم، هذه السياسة وعتها جيداً بعض قنواتنا العربية التي ألبست لبوس الحكمة والموضوعية بادعاء فج، بينما هي أبعد مما هي عليه، تدعي الفضائل الحميدة، ومنها الصدقية في النقل ووضوح الرسالة وحرية الرأي والرأي الآخر، بينما هي أول من يتنصل منها، بمراوغة مكشوفة، لتتأسس وفق هذا المفهوم الإعلامي الجديد، «قاعدة» مماثلة في المنهج والإدعاء ل«قواعد» أخرى، وإن كان أسامة بن لادن يتموضع وفق منهجية اتخذها لنفسه وقدمها بوضوح، فإن «القواعد» الإعلامية الحديثة أميل للزيف والتضليل وإثارة الفتنة منها إلى صدق التبني ووضوح التوجه. والعجيب في الأمر أن تأسيس بعض هذه الفضائيات جاء متزامناً مع الإعلان عن «قاعدة» ابن لادن، وهي التي اتخذت منه في بدايتها وسيلة لتسويق موادها الإعلامية وسحب آلاف بل ملايين المتابعين لها من أصقاع العالم، حتى ولكأنها تقدم مادة إعلانية مجانية تحصد من ورائها مكاسب كبيرة.
لم نكن نعرف قبلها «حصرياً»، كما لم نكن نعي تماماً ما يختفي وراء هذه الحصرية، عدا أنها المحتكر الوحيد لهذا المصنف الإعلامي، حتى انحسر الثلج وانكشف المرج، ولعلنا نذكر تغطية القناة «القاعدة» لدخول القوات الأميركية العراق من أجل إسقاط نظام صدام حسين، كيف كان يصرخ مذيعها بصوت عليّ معلناً تقدم القوات العراقية على القوات الأميركية.
تعلمت القنوات الفضائية الأخرى الدرس جيداً، فليس أمثل من إثارة الضجيج والصراخ وتقسيم الناس وفق تصوراتها إلى مع وضد، فلم تقف بالحياد الذي تدعيه، فالحوارات التي تحولت إلى أشبه ما تكون بالغوغائية والطرق الاستعراضية في إدارة الحوار، أسقط في وعي المشاهد أنه أمام حلبة مصارعة تستخدم فيها الأيدي والكؤوس وأخيراً الأسلحة النارية، لم يعد للعقل مكان داخل حدود «القاعدة» الإعلامية المبنية على إثارة البلبة، وزرع الأوهام، والفرقة والتشتت.
لحقت بعض القنوات الشبيهة بالغرف المغلقة، تلك المبطنة بالسواد من الداخل، بالقناة «القاعدة»، وأصبحت تلاحق المشاهدين بمواد حوارية مشابهة، فمن خلال تجربتي الشخصية مع هذه القنوات أذكر «واقعتين» حواريتين، وأقول «واقعتين» لأنهما أرادتا أن تتحول الحلقة إلى صراع ينقسم حوله الناس بين مؤيد ومعارض:
الحلقة الأولى: جمعتني والدكتور محمد النجيمي في قناة «دليل» قبل سنتين تقريباً، وكان حديثنا يتمحور حول «سقف الحرية في معرض الكتاب»، وكان للدكتور تحفظات على سقف الحرية بالمعرض، وكلام كثير أقحم فيه العلمانيين والإسلاميين فوقعنا في الفخ الذي نُصِب لنا، فاحتدم الصراع وأنا أتأمل واقعه ومقابلته بما تعرق وجهه به ذلك اليوم أتعجب كثيراً، فما كان يعلنه ذلك اليوم يتنحى عنه اليوم من خلال حضوره الكثير من المحافل العالمية المختلطة ومجاورته النساء اللواتي كان لا يتورع عن وصفهن «كاسيات عاريات» في مجالسهن، فأدركت جيداً أن ذاك الجدل لم يكن منصبّاً على الفكرة والمبدأ بقدر ما هو انتصار لقناة «دليل» التي لا تزال تسجل أهدافاً في مرمى الضجيج الإعلامي.
الواقعة الأخرى: نُدبتُ إليها من قناة «الدانة»، تحت عنوان «ثقافة المجتمع»، ومن داخل وعي تحريضي للمسؤولية تجاه ثقافة المجتمع استجبت لتلك الدعوة، إذ قسمونا إلى فريقين مكون من ملتحيين، وهما ناشطان إسلاميان أجلسا عن يمين المذيع، وأجلست أنا وآخر إلى يسار المذيع، بما يشي بأننا الفريق المخالف ابتداءً! هنا تكتمل الصورة أمام المشاهد الذي ينتظر الصراع المقبل، ما اكتشفته أن الحلقة أخذت منحى مختلفاً، إذ أعدت على ما كان يبتغيه الفريق الآخر من الورق والمستندات التي كان قد حضر لها جيداً، وكان المقصود من هذه الحلقة إثارة قضية كتابة النصوص الروائية، وتحديداً رواية «هند والعسكر» لبدرية البشر، ومن خلال جملة لا تتجاوز السطر الواحد كل يفهمها على طريقته، لنقتحم لجة حوار ساخن افتقد للموضوعية والعقل.
المقصود أن هذه القنوات انتهجت أسلوباً يغرر بالمشاهد ويرفع من نسبة «الأدرينالين» في الدم بما يجعله متحفزاً للانتقام من خصومه الوهميين، ويجعله مرتبطاً بهذا السلوك الذي يحمله على ممارسة دور مخبر فاشل يفتش في حاويات الآخرين ومزابلهم عن قصاصات لا تحمل صدقيتها ثقلها من الأحبار، لينعق بما ينعقون به من دون أدنى تحرٍ أو بحث.
ثمة قنوات ممذهبة نصبت لها حلبات تنهض على إفشاء الضغينة بين الناس علناً وتوقع في قلوبهم حمية مزيفة، أخرجت لنا فرساناً بسيوف مصنوعة من ورق باهت، يتوعد بعضهم بعضاً بالويل والثبور ويحصدون من ورائها لقمة عيشهم، فيما الذي يدفع ضريبتها المشاهدون المساكين الذين سيبيتون على جمر الحنق والضغينة ولربما أقدم بعضهم على تصرفات هوجاء يذهب ضحيتها أبرياء، ولا ذنب لهم إلا أنهم «كبسوا» على زر «الريموت كنترول» وهو لا يدري أنه يضغط زناد نار حارقة لتتقيأ له الشاشة بسم زؤام.
هكذا تتبع القنوات الفضائية خطوات القناة «القاعدة» حذو القذة بالقذة، إذ لم تكن صادقة بما يكفي لرأب صدع الأمتين العربية والإسلامية، كما لم تكن وسيلة نقل أمينة، ولو كانت لنظرت إلى ما تحت أقدامها وأنبأت به بصدقية. ولن تفعل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.