لا أفهم كيف يمكن أن يستقيم أمر الديموقراطية في المجتمعات المعاصرة دون وجود الحد الأدنى من العدالة الاجتماعية؟! إن الغاية الأساس من كل نظام أو فلسفة للحكم في تلك المجتمعات هي تحقيق العدل، أو على الأقل الحد الأدنى منه. والعدالة الاجتماعية هي المرتكز الأساس الذي يقوم عليه مفهوم العدل. العدالة الاجتماعية تعني المساواة، والعدل لا يمكن أن يتحقق بدون وجود المساواة، أو على الأقل الحد الأدنى منها. حرية المجتمعات الانسانية بدون عدالة اجتماعية هي حرية منقوصة، بل إنها عبودية مقنعة. كيف يمكن للإنسان في تلك المجتمعات أن يتذوق طعم الحرية ويستمتع به، مع وجود هوة تفصل بينه وبين الأثرياء من أبناء مجتمعه..؟! بل كيف يمكن للإنسان أن يقتنع بأنه حر وهو لا يتلقى نفس نوعية الرعاية الصحية التي يتلقاها الأثرياء هناك ، ولا يستطيع أن يوفر لأبنائه نفس مستوى التعليم الذي يحظى به أبناء الطبقة الثرية في بلده ؟! الحرية في المجتمعات المعاصرة لا يمكن أن يشعر المرء بقيمتها إلا إذا كانت كفتا الميزان متعادلة. والحرية لا يمكن للمرء أن يستشعر وجودها إذا ما كان مستعبدا للحاجات الرئيسة التي تتزايد بفضل ابتكارات الشركات الكبرى، يوما بعد يوم؟ الحرية ليست قيمة مستقلة بذاتها، أي أنها ليست في غنى عن بعض القيم الأخرى الأكثر أهمية، كالعدل والأمن. والمجتمعات الرأسمالية الغربية تعاني من اختلال ميزان العدالة الاجتماعية، الأمر الذي تسبب في ازدياد معدلات الجريمة في المدن الكبرى، بشكل منغص للعيش. لا حرية بلا عدالة، ولا عدالة بلا مساواة، ولا مساواة إلا بتقريب المسافة بين الطبقات.