تكاد تكون عناوين المسلسلات الرمضانية هي حديث أكثر الناس، وطغت بشكل يوحي بأننا أمام سُعار أخلاقي، وجهته المادة، وآخر شيء في حسبانه الضمير والموسم الفضيل. لم تكن المسلسلات رغم انتشارها قبل سنين قليلة فيها هذا التجرؤ في الموضوعات، والتسيب في الأخلاق، والتبذل في المضمون لدرجة لا يمكن أن تتخيل فيها أن هؤلاء يفكرون في رمضان أصلاً، وأكبر دليل على ذلك أنهم يخططون شهورا طويلة (فترة حركة الشياطين) ليبثوها (فترة تسلسل الشياطين)! أخذت أشاهد (بروموهات) عدد من المسلسلات الرمضانية للتعرف على أهم مضامينها، وإذ بها نفس العقلية (فترة حركة الشياطين) طيلة العام، اللهم تأجيل المسلسلات الأشبه بالتركية الغالبة، والتي يبدأ أو ينتهي بها ومعها الغرام لحظة بلحظة. الغريب أن تسمع أخباراً لفنانات مشهورات يعتزلن الغناء والرقص وهن نصرانيات، حرمة لشهر رمضان لأنه شهر عبادة المسلمين، في اللحظة التي يتسابق فيها ممثلو العرب لأداء أجمل مسلسل رمضاني ابتداء من (فرقة ناجي عطاالله) إنتهاءً ب(زي الورد)! لا أريد أن أبدو متشائماً، إلى حد كبير، رغم إيماني منقطع النظير بأن هناك أعداداً ضخمة تتابع هذه المسلسلات رغم عدم مناسبتها لروح الشهر الفضيل، ولو كانت بعض عناوينها وفكرتها تبدو إيجابية، ولكن المضمون في النهاية هو الحكم. أقول لا أريد أن أبدو متشائماً جداً، ويائساً من أثر هذه المسلسلات على الناس وبخاصة النساء، إلا أنني متفائل جداً من نوعية بعض البرامج الهادفة الدينية منها والثقافية والاجتماعية، والتي أثَّرت في قطاع كبير من الناس، بل وكانت سبب هداية الملايين من البشر، وغيرت في أنماط حياتهم، ومستوى تفكيرهم، والإحصاءات الرسمية من المعنيين بالمتابعات البحثية للبرامج تؤكد ذلك، بل إنني أذهب إلى بُعد آخر في أثر بعض المسلسلات الهادفة - رغم التحفظ على بعض مضمونها- كمسلسل (باب الحارة)، وسواها. وهذا التفاؤل الذي يسعدنا يطالبنا بأن نكون واضحين جداً، في أهمية أن تكون البرامج الرمضانية -التي يُجمع كل من له علاقة بالقنوات أن قرابة (70%) من ميزانياتها تُخصص لرمضان!- ذات مستوى مشرف للعرض!. إن واقع اليوم يجعلنا نطالب كل من له عناية بالشاشة البيضاء أن يبذل قصارى جهده وإبداعه قبل رمضان بشهور عدة، ليخرج برنامجه الرمضاني الهادف بنكهة تستحق المشاهدة، وتنال رضا المشاهد، وتلبي حاجاته، وتجعله يبادر بالشكر والثناء من كل قلبه. إنني لا أقول أن جميع البرامج الرمضانية الهادفة يجب أن تكون بقالب واحد ولكنني أقول، أن يُحضر لها جيداً، وتقدم بأسلوب مميز، يناسب عرض شاشة التلفاز، لا منابر الأندية، ومحاضرات القاعات، في زمن التنافس. ولا أخفي عتابي لبعض من يلوم على مثل هذا الطرح كونه خارج حلبة الإعلام، ولا يدرك الواقع الجديد وتداعياته. إن واقع الناس اليوم في شهر رمضان ينحى نحو البرمجة الجاهزة في أوقاتهم، بين العبادية في المساجد، والاجتماعية في الزيارات والسهرات، والبيتية في المتابعة للبرامج والمسلسلات. إن الأحب إلى قلبي أن أقول العبارة الشهيرة: (على الناس أن يتفرغوا في شهر رمضان للعبادة)، بيد أن الأحب إلى الناس أن يسمعوا ويشاهدوا ما يحببهم في العبادة، ويرغبهم في الطاعة، في زمن صارت فيه الشاشة الصغيرة بكل ألوانها وأصواتها منبر التوجيه الأول، ومصدر الحركة الأولى!