يشكل نظام التنفيذ الصادر من مجلس الوزراء قبل أسابيع نقلة (نوعية) في العملية القضائية والقانونية من حيث الصياغة والافكار القانونية الجديدة التي أدخلها على البيئة التشريعية في السعودية إلا أنه ومع ذلك لم يجد النظام حظه من التحليل والمناقشة، لأسباب اعتقد أن أحدها كان صدوره بالمزامنة مع نظام الرهن العقاري الذي اختطف الاضواء بحكم أنه نظام كان مثار جدل إعلامي طويل إضافة إلى أن نظام التنفيذ كان قدره أن يصدر في وقت المعارك الموسمية حول المسلسلات والبرامج الرمضانية والصراعات التي لا تنتهي حولها. بعيداً عن التفصيلات القانونية فإنه يمكن أن أصف نظام التنفيذ من خلال جملتين هما: (نهاية مماطل) فالنظام - إذا ما طبقت أحكامه بشكل سليم - فإنه سيقضي على العبارة الشائعة التي يرددها بعضهم عند الحديث عن أي شأن له علاقة بالقضاء وهي (يا ليل ما أطولك) فأحكام النظام ببساطة قصرت ذلك الليل الطويل من خلال اختصار الإجراءات القضائية والفصل التام بين قاضي الخصومة التي ينظر خصومة في منازعة معقدة تتجاذب أطرافها وثائق مختلفة ودفوع متباينة وبين قاضي التنفيذ الذي تنحصر مهمته في تنفيذ سندات نهائية لا تحتاج أن تدخل في الدورة القضائية التقليدية بل هي حقوق ثابتة تفتقر فقط لسلطة تقوم بإلزام من صدرت في مواجهته بأن يقوم بتنفيذها وهي الثقب الذي كان المماطلون في الارض ينفذون من خلاله لأكل أموال الناس حيث يدخلون خصومهم في دوامة قضائية طويلة من أجل إنهاك لياقتهم ومن ثم التنازل عن بعض مستحقاتهم أو إدارة تلك الديون والاستفادة منها فترة الخصومة مع أن الحق (ثابت) في سند لا يقبل الخصومة. نظام التنفيذ جاء بفكرة (سندات التنفيذ) بحيث أصبحت العقود وسندات الديوان وغيرها التي توثق الحقوق؛ سنداً لا تحتاج لتنفيذه أن تأخذ الطريق القضائي الطويل بل يكفي أن تتأبط ذلك السند الذي وثقت به حقك وتذهب إلى قاضي التنفيذ المختص الذي بدوره يقوم بإلزام الخصم بتنفيذ ما تقتضيه تلك الوثيقة بكافة الوسائل القانونية بما فيها الحجز على أمواله وتجميد أرصدته المصرفية ومنعه من السفر، وتلك الفكرة خدمت نظام العدالة في البلد من جهتين؛ فهي من جهة اختصرت على اصحاب الحقوق الطريق لتحصيل حقوقهم من خلال عدم إلزامهم بالدخول في الدورة القضائية التقليدية، ومن جهة أخرى استلت الكثير من القضايا من القضاة العاملين في محاكم الخصومة لأن معظم تلك القضايا التي ينظرونها واقتطعت جزءاً كبيراً من وقتهم هي قضايا محل الخصومة فيها حق ثابت بسند لا يحتاج اصلاً إلى خصومة قضائية وإنما فقط يحتاج (دُرَّة) السلطان لتنفيذه. ولا ريب أن النظام سيؤثر بشكل إيجابي على الحراك الاستثماري في المملكة لأنه يضع ضمانات قانونية للحقوق ويقضي على عتمة ذلك الليل الطويل الذي تستغرقه الخصومات القضائية مما يشجع المستثمر لأن يضخ أمواله وهو آمن عليها، لكن الأهم من ذلك أنه يسهل ايضا على الفئات الضعيفة التي قد لا تملك القدرات التي يمتلكها المستثمرون من جيوش المحامين والمحاصلين القادرين على تحمل الإجراءات القانونية الطويلة بلياقة عالية، فالمرأة المطلقة على سبيل المثال تستطيع بالاستناد إلى أحكام النظام أن تُحصِّل نفقة أطفالها الثابتة بحكم قضائي بسهولة دون الحاجة إلى المارثون الشهري لملاحقة طليقها لتحصيل قيمة النفقة، حيث وضع النظام نصوصاً جزائية لمن يتخلف عن تنفيذ حكم قضائي وعليه فإنه وخوفا من العقوبة فإنه سيبادر من تلقاء نفسه بالبحث عن طليقته ودفع ما في ذمته لا أن تقوم المرأة بملاحقته في أقسام الشرطة وإدارات الحقوق في إمارات المناطق من أجل خمسمائة ريال تذهب جلها في الغالب في جيوب سائقي الليموزينات. كما قلت في مستهل المقالة نظام التنفيذ تشريع جديد نصاً وروحاً على منظومتنا القانونية لذا أعتقد أنه من المناسب أن تبادر وزارة العدل لتكثيف الدورات التخصصية وورش العمل لتطارح الافكار حوله سواء للقضاة أو المحامين حتى يتم تطبيقه التطبيق السليم المتسق وروح النظام، وأن يتم تقييمه بعد سنة من بدء تطبيقه حتى يتلافى بعض الاخطاء (الفنية) أو الإجرائية التي قد تظهر خلال فترة التطبيق حتى نضمن تطبيقاً يمنع المماطلين من العودة من جديد.