بقينا ثماني ساعات في قاعة العمليات ونحن نصلح ذراع شهاب الدين بعد الحادث المروري من عظم تهشم (أربعة كسور في الذراع والمرفق والساعد) وضياع مادي في العضلات بالإضافة إلى تقطع الأوعية والأعصاب. اضطررنا إلى أخذ وريد من الساق وزرعه مكان الشريان المنكوب وتبقى الخياطة العصبية تنتظر الأشهر الطويلة حتى يستعيد الطرف وظيفته في الحس والحركة، كلها وبلحظات من حادث مروري. حين يغادر الإنسان مطار الرياض يقرأ اللوحة على نحو واضح أن كارثة عمّت البلد من وراء حوادث السيارات. وتقول الإحصائيات إنه يمشي على الأرض ما يقرب من 500 مليون سيارة، منها مائتا مليون فقط في الولاياتالمتحدة، وتقذف أرحام المعامل من هذه الآلة القاتلة 120 ألفاً يومياً. ويموت في أمريكا لوحدها، من وراء تدفق هذه الدواب المعدنية إلى الشوارع كل سنة 40 ألف إنسان، بمعدل قتيل كل 12 دقيقة. لقد قتل خلال القرن المنصرم من وراء هذه الدابة 25 مليون إنسان، أي أكثر مما قتل من الأنام في الحرب العالمية الأولى.. إنها حشوة من رصاص ليست بوزن عشرين غراماً بل بوزن ألفي كغ. وخلال العشرين سنة الفائتة ارتفع عدد الإصابات بمقدار الضعف، وفي المملكة يقرأ الإنسان أرقاماً مخيفة عن عدد الإصابات وكأننا في حرب أهلية وهي في تزايد. وهناك حالياً من إضافات وسائل الأمان شيء كثير من مقود ينثني، ومقدمة مبطنة من بلاستيك لا تجرح، وزجاج أمامي يطير في الهواء، بدون أن يتحطم ويتناثر، وحزام أمان يثبت الراكب في مقعده فلا يطير، وأكياس من الهواء تحمي الوجه، وسنادات للرأس تحمي من خلع الرقبة، وكوابح ممتازة تلصق السيارة في الأرض، وأبواب لا تنخلع من مكانها مع الصدم الشديد. مع ذلك فهي أسلحة مرخصة في يد الطائشين فهي أشد أدوات القتل صرامة في هذا العصر. وعندما بدأ اختراع السيارة استبشر الناس خيراً، أنها أداة راحة لنقل العباد، فتبين أنها فعلا تنقل ولكن إلى الدار الآخرة، في صورة مشوهة جداً، بين دماء تسيل، وأذرع مهشمة، ودماغ يندلق من القحف. وفي الأدبيات التاريخية نعرف أن أول قتيل سقط في هذه الحرب كان (هنري ليندفيل) عام 1898م، عندما استقل سيارته فرحاً بين لندن وبرايتن، فرجع جثة إلى أهله بغير فرح؟ بعدها تدفقت الدماء أنهارا في الشوارع وسقطت الجثث تترى ومازالت. في كل خروج من المنزل أدعو الله بالسلامة وأسوق بحذر ولكن نرجع إلى قصة الثعلب والدجاجة فمهما توخيت الحذر جاءك الثعلب فأكلك في حادث!