..وجعلناه أضحية ليوم فرحنا بوطن لطالما أثار غيظ الأعداء، لا أحد يعرف قدر وطننا إلا إذا غادره، ولا يشعر بقوة تجمعنا إلا عندما يجمعك الطريق البارد برجل من بلادك؛ فلا تسأله: من أي قبيلة أنت؟ أو: من أي منطقة أنت؟ بل يظل الحديث يبدأ وينتهي عن السعودية. في بلاد أخرى يجاهد الناس حتى لا يكتب في هوياتهم ديانتهم ومذاهبهم، أما في بلادنا فلن تجد ذلك؛ فلا توجد خانة للمذهب، ولا يوجد رقم سجل مدني خاص بمذهب أو بمنطقة. إن لدينا كثيراً من الفنانين والأدباء والنقاد ولاعبي الكرة ينتمون لمذاهب مختلفة، ونحن نحبهم ونشاهدهم ونعتز بأشعارهم، ونرى الفتيان يحتضنونهم في نهايات المباريات دون أن يقول أحد: إنهم من مذهب كذا أو منطقة كذا! ولدينا كذلك أعضاء في مجلس الشورى ومديرو جامعات وأطباء ومسؤولون؛ لأنه لا يوجد في التنظيمات المدنية عندنا ما يحدد تقدمك في الحياة بحسب مذهبك، وليس هناك تنظيم أو قانون يفرض ذلك. لكن للأسف في بلادنا هناك من يعاني من أمرين: الأول الممارسات غير الرسمية التي يمارسها أناس وصلوا لمناصب قيادية وهم ممتلئون وتكاد تنز منهم العصبية والتطرف والطائفية؛ فيعاني من هم تحت إمرتهم من سلوكهم الإداري، وخصوصاً مع قدرتهم الرهيبة على الالتفاف على القوانين، قالت لي فتاة من مذهب ما: لا أستطيع أن أصبح مديرة مدرسة، فقلت لها: لا يوجد قانون يمنع من ذلك؟! قالت: لكن ذلك ما يحدث! في الواقع ذلك يحدث بسبب الممارسات غير الرسمية لذا لن تجد ورقة تحمل أمراً كهذا، لكن الكل تعارفوا على هذا لأن مسؤولهم يريد ذلك! الأمر الثاني هو انعدام قانون يُعاقب بموجبه الشخص الطائفي أو المناطقي الذي قد يشتم عرض قبيلة، أو يُدخل طائفة النار، أو يدعو علينا، أو يسخر من تقاليد بيئة معينة، ولقد شاهدنا في الإنترنت من يقوم بذلك ولا أحد يُسائله؛ فيضطر الناس للذود عن عرضهم أو كرامتهم بالشتم والانتقاص من الآخر، وهذا كله يتكفل بنشر الكراهية؛ ومن ثم تحدث الفرقة والخدوش في وجه الوطن، لذا نحن بحاجة لهذا القانون الذي أستطيع أنا وأنت أن نواجه به من يحقّر بيئاتنا أو مذاهبنا، ومن ثم تقديمه للمحاكمة. أعتقد أننا لو عالجنا هذين الأمرين سنكون قد قتلنا الطائفية والمناطقية وأقمنا عيداً أبدياً للوطن حتى يرث الله الأرض ومن عليها.