محمد بن عبدالله المشوح - عكاظ السعودية عندما استضفت في الثلوثية الإعلامي والكاتب المعروف داود الشريان قبل عدة سنوات تحدث بإسهاب عن بداياته الصحافية وكتاباته اليومية. وجرى سؤاله عن طريقته ومدرسته في الكتابة الصحافية خصوصا العمود الصحافي فأشار إلى تأثره بالمدرسة اللبنانية والعمود الصحافي اللبناني. والذي يمتاز كثيرا بالتركيز على الفكرة ومحاولة استنطاقها بالموجز من اللفظ والكلام. تذكرت ذلك والصحافة العربية فقدت قبل أيام أحد أركانها الكبار ممن استطاع المزج والجمع والمزاوجة بين علوم ثلاثة الفلسفة والسياسة والصحافة. ثم كساها جميعا برداء الثقافة الوقور وكلمته الجزلة وحكمته التي استقاها من عقول الفلاسفة الذين تتلمذ عليهم إبان دراسته الأولى. «غسان تويني» أو المعلم والأستاذ كما سماه تلميذه سمير عطا الله. عجيبة أطواره كلما زادت الدنيا عليه بخطوبها وكروبها وشدتها يزداد تماسكا وثباتا وحنكة وحكمة. قرأ خارطة العرب من وجهة نظر ثقافية فلسفية فصدق حدسه مع عينه الثاقبة التي لا تخطئ في السياسة والتي خاضها بكل جدارة فدون إثر ذلك كتابه الذي كشف عالم الصحافة المتوغل في الغموض أحيانا ليقول «سر المهنة وأسرار أخرى». «غسان تويني» التقط لنفسه مزايا وخصائص انفرد بها إلا أن حكمته الباهرة قادته إلى أن يحظى بلقب «الحكيم». أي حكمة يعنيها هذا الفيلسوف والإعلامي والسياسي وهو يرقب ويشاهد مقتل ابنه ثم هو يدعو إلى نبذ الحقد والكراهية، مهما قسا وجار الزمان عليه إنه رجل فريد بحق. عجيب هذا المرء عاش في حرية مطلقة سلاحها الأكبر الكلمة التي لا تشطح لتيار الهوى السياسي بقدر ما كان مقوده في ذلك الحكمة والعقل الكبير.. استطاع أن يلتقط خيطا جديدا يحمل وصلا بين الثقافة والسياسة فغنى الشعر وكتب من أجله وراح ابنه جبران ضحية لهذا المزج الغساني الفريد غير المتلطخ بدم السياسة وبذيئها. كان يكتب رأيه المتجرد المثقف والعاشق للبنان في وضح النهار فكان الكل يقرؤه بوضوح فيطير قوله مع وضح النهار إلى كل بيت وعين تلحظ ما يكتبه «غسان». هو كأي من الناس يختلف مع الآخرين لكن الشعار الذي حمله طوال حياته هو عنوان كتابه «لندفن الحقد والثأر» . وأن لا يقودنا اختلافنا إلى الحقد والكراهية أو أن يستعبد الشعب فكان موقفه الشجاع من وجود القوات السورية وسلبهم للبنان حقه فكان كتابه الآخر ينطق بعنوانه المثير «دعوا شعبي يعيش». غسان تويني عربي أصيل عريق أخذ من العرب كل شيء سوى صفة الثأر والانتقام التي يبرز بها البعض عروبتهم. الزمان يقسو والبلايا تتعاقب ثم هو يقابلها بابتسامة الرضا والأمل ثم يعقبها بالعمل في زمن الثأر العربي المتزامن مع الثورات العربية. لقد دفن العربي الأصيل «غسان» تلك الخصلة وعاش سليم القلب حاضر الذهن لأمل تصلح فيه العروبة لتعيش في ظلال المواطنة، تلكم الظلال الوارفة النقية من الدم فضلا عن الحقد والكراهية. كانت له رؤية سياسية مغايرة لكنه في النهاية وحين تشتد الأمور يأوي إلى حضن لبنان الكبير الذي يستشعر دوما أنه بحاجة إلى عقلاء أبنائه. عاش هذا المعلم الصحافي الكبير تاركا وراءه مدرسة إعلامية متكاملة تمثلت في «النهار» التي تخرج منها أعلام كبار في الصحافة والثقافة والسياسة. لقد عاش الناس جميعا في السنوات الماضية يتابعون بعضا من كتابات وحياة هذا الصحافي والفيلسوف والمثقف الكبير فوجدناه يغرد في أحلام ينبغي أن تبث وتنشر وتعلم للأجيال.