إن كان هناك ما هو أضر على العقلية والنفسية الجماعية من عدم وجود فكر ممنهج يفسر الظواهر السلبية التي تستجد في المجتمعات فهو الآراء غير الممحصة وغير المحققة التي تصدر عن من هم في مكانة التأثير على الرأي العام، والتي عادة تتخذ نمط الندب وجلد الذات وإسقاط الآراء والقناعات المسبقة والمقولات المنمطة عليها لجعلها بمثابة إثبات لوجهة نظر مسبقة يحملها الكاتب أو صاحب الرأي، ولا أدل على هذا المبدأ من قصة ما عرف بغزوات الجن التي تقوم بها جماعات من الشباب الصغار على الأماكن المهجورة لمطاردة الجن والتي استفزت الكتاب على مدى الأسابيع الماضية لإسقاط كل أنواع تفسيراتهم الخاصة غير الممحصة على الظاهرة لتجييرها لتكون داعمة لآرائهم المسبقة المعممة وغير الممحصة عن الاتجاهات الثقافية في المجتمع والتي تركزت حول ذم الثقافة التراثية المتضمنة لمفهوم الجن، بينما الحقيقة أن مسألة غزوات الشباب لمطاردة الجن في الأماكن المهجورة هي ناتجة عن تأثرهم بالمسلسلات الأمريكية التي تعرض على القنوات الخليجية بهذا المضمون وأشهرها مسلسل باسم Supernatural يقوم فيه اخوان بمطاردة الجن والشياطين في الأماكن المهجورة، وتعليقات الشباب على الانترنت على غزواتهم على الجن تشبه ما يقومون به بهذا المسلسل الأمريكي بالاسم، لكن تم إهمال مفهوم التأثر بمضمون المواد الترفيهية الأجنبية التي تعرضها الفضائيات وما تدخله على النفسية الفردية والجماعية من أنماط مستجدة، فدائما تناول الظواهر المستجدة لدينا يتم بإسقاط التفسيرات عليها عن بعد بدون أي بحث أو تحر ميداني عن حقيقتها، والملام الأساسي في هذا الخلل هم علماء النفس الذين لا يقومون بأي مبادرة لدراسة الظواهر الاجتماعية المستجدة بشكل ميداني وليس بإسقاط التفسيرات عليها عن بعد..