لم تكن زيارة الوفد التونسي إلى السعودية لأجل العلاقات الثنائية المشتركة فقط، ولا لأجل المشروعات المنتظرة والتبادل التجاري بين البلدين، ولكن ثمة استرشاد بالتجربتين التركية والمصرية، وقدرتهما على استقطاب أكبر قدر ممكن من عدد السائحين السعوديين، خصوصاً أن سبعة آلاف سائح فقط لا يشكلون شيئاً من إجمالي أربعة ملايين ونصف المليون سائح سعودي يطوفون العالم سنوياً. لا شك أن إلغاء تأشيرة السفر إلى تونس، وربط خط سفر يومي بين جدة والرياض، هو مما يساعد نسبياً على تشجيع سياحة السعوديين في تونس، إلا أن الأمر المهم، والذي تعبنا من الكتابة حوله كل عام، هي السياحة الداخلية، رغم أننا نجزم أنها لا تغني، ولا تلغي السياحة الخارجية، لكنها لم تتطور كثيراً خلال أعوام عديدة، العالم من حولنا يتطور، ونحن لم نزل نناقش كيف نطوّر محطات السفر واستراحات الطرق السريعة، العالم يجعل من السفر متعة، ونحن لم نزل نسافر داخلياً، كما لو كنا داخل البرنامج التلفزيوني القديم (ربوع بلادي)، العالم تطورت أدوات السياحة فيه، رغم أن معظم الدول المجاورة التي تفوقت عليها خلال عشر سنوات فقط، لا تملك 1% من إمكانات السياحة لدينا، سواء الطبيعية أو الآثار المنتشرة، والتي يكتشف العشرات منها كل عام، أو عدد السكان وقدراته، والتي تستطيع أن تنهض بالسياحة الداخلية بكل بساطة، فقط لو توفرت أبجديات السياحة وفنونها. من الطبيعي أننا تطورنا، وأننا نحاول التقدم في مجال السياحة، عبر إنشاء هيئة السياحة والآثار التي تعمل منذ ما يقارب عشر سنوات، وعبر إنشاء كليات السياحة والفندقة، والوعي بأن السياحة تعد أحد أهم الإيرادات في ميزانية أي دولة في العالم. نحن لم ننتبه كثيراً للبحث في مصادر جديدة من الدخل، لأن أهم مصدر لدينا هو النفط، ولم نحتج كثيراً إلى البحث عن بدائل له. حينما أجد التسهيلات للمواطنين السعوديين في السفر إلى كل جهات العالم، من شرق آسيا إلى أوروبا، إلى البلدان العربية المختلفة وتركيا، أشعر أننا بحاجة شديدة إلى تطوير السياحة المحلية، والمنافسة ولو بشكل نسبي وتدريجي، لأننا حتى ولو تطورت السياحة نسبياً، وحتى لو خططت هيئة السياحة والآثار، ووضعت خططاً إستراتيجية مستقبلية، عليها ألا تنسى أن المواطن أيضاً تطور كثيراً في وعيه السياحي، ولم يعد يطالب كما كان سابقاً، بأسعار شقق مفروشة مناسبة، ودورات مياه على الطرق السريعة، بل إن من يذهب إلى دول العالم كي يستمتع بالطبيعة والتسهيلات في الفنادق المتطورة، والترفيه والمتاحف والحدائق، يحتاج إلى أن توازي الخطط مستوى متطلباته الجديدة. نحن نعرف أن لدينا عوائق اجتماعية على مستوى السياحة، فما يوجد في كل دول العالم لا يوجد لدينا، ظللنا سنوات طويلة لا نمنح تأشيرة دخول إلى بلادنا، إلا تأشيرة عمل أو تأشيرة عمرة، ومازلنا لا نقدم أنفسنا بشكل جيد للآخرين، ولا نثق بما لدينا من آثار سياحية قبل الإسلام، بل نحذر من الترويج لها لأسباب دينية، ولكن ليتنا نركز على أنفسنا، نتعرف على أنفسنا أولاً، وأن نخطط جيداً للظفر ببعض هذه الكعكة الضخمة المقدرة بأربعة ملايين ونصف المليون سائح يغادرون البلاد سنوياً.