حذر الله تعالى المفسدين السحتيين الذين يستبيحون المال العام ولا يخافون مقام الله ولا يخافون وعيده، بأنه خصمهم يوم القيامة، وبئس من كانوا خصوما لله. وقد وعد الله الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها بعذاب أليم. وقال تعالى «يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ» (التوبة 35). فإذا كان هذا عذاب الكانزين، فكيف بالذين خانوا الأمانة ووسعوا الذمة ونهبوا الأموال العامة واستعذبوا التهامها. وأظهرت محاكمات نكبة جدة أن المفسدين يتمالؤون مجموعات وفرادى على فنون السحت والنهب. وربما بسببهم حدثت جرائم وربما مات قضى أناس نحبهم في أطراف المملكة نظراً لعدم وجود مشفى أو مستوصف، نهب مخصصه مفسد ما. ومفسدو جدة لا يتحدثون عن ألف ريال أو ألفين أو عشرة آلاف، وإنما يتحدثون عن عشرات ومئات الملايين. وفي ذلك إهانة للدولة والمجتمع ولعقيدة البلاد وأمنها. المفسدون.. ذوو الذمم «الوسيعة»..!ومفسدو جدة كشفهم الله، ومن غير العقل أن نتمنى حدوث كارثة في مدن أخرى كي تكشف المفسدين. لهذا أسس خادم الحرمين الشريفين هيئة مكافحة الفساد، وطلب منها أن تحاسب «كائنا من كان»، بنية صادقة وعزم لا يلين. وطبعاً لن تبدأ الهيئة مهاجمة الناس في الشوارع وتتهمهم، وإنما تحتاج إلى أدلة وبراهين. وطلبت من المواطنين إبلاغها بأي مفسدين أو مشروعات إفساد. وطبعاً ستتلقى الهيئة كثيرا من الشكاوى قطعاً بعضها سيكون كيدياً خالصاً وانتقاماً شخصياً وتلويثاً لسمعة أبرياء، وبعضها موهوماً باللبس والالتباس، وبعضها سوء فهم، وبعضها ليس أكيداً وبعضها أكيد. وإذا كانت الهيئة تجرجر كل مبلغ لتطلب منه البراهين أو تعاقبه بتهم الكيدية، فإنها بعد حين لن تستقبل أي بلاغ، وإذا فعلت ذلك الأفضل لها ألا تطلب من المواطنين المساعدة، وأن ترسل مندوبيها يفتشون في المكاتب والنوايا وجيوب الموظفين، إذ كثير من المبلغين يخشون على أنفسهم وعلى أسرهم من بطش المفسدين، فالذي ذمته «وسيعة» سوف تتسع أكثر لإيذاء آخرين دفاعا عن السمعة وكفاحاً من أجل السحت. ولكن الحل هو أن تستقبل الهيئة بلاغات المواطنين من دون الإفصاح عن أسمائهم. وتضع معايير لفرز البلاغات. فالذي يحتمل أن يكون كيدي يرصد في ملف للعلم والاحتمال الضعيف، والبلاغات القوية الاحتمال، توضع في ملف لجمع المزيد من المعلومات، والشكاوي ذات التأكيد المحقق تبدأ بمباشرة قضيتها فوراً. *وتر أنصت.. عبر السهب الممتدة شمالاً أصوات تبدد الصمت وتشق الأفق المعتم.. عويل ثكالى أو بكاء نائحات أم صراخ مروعين.. أو هلع يتامى.. بل هو خليط من كل هذا.. وطعنة في الظهر.. تلك إنجازات بواسل المقاومين..