أمريكا ليست واحدة من جمهوريات الموز الهامشية الصغيرة.. ولذلك فإن ما تقوله وما تفعله مهم ويؤثر في حياة ملايين الناس عبر العالم.. وهي بذلك مطالبة بأن تتحلى بالمسؤولية عندما تقرر أن تفعل شيئاً. وأمريكا ليست شخصاً واحداً يصنع القرارات بل هي مجموعة المؤسسات والأفراد الذين يشاركون في صناعة القرار بمستويات متفاوتة من الصلاحيات الممنوحة لهم. وعندما يتعلق هذا القرار بقادة مستقبليين، ويكون صاحب القرار رجلاً يعمل في المؤسسة العسكرية الأهم، وهي البنتاجون، فإن التأثير يكون مضاعفاً. لقد قرر عسكريٌ أمريكي برتبة لفتنانت كولونيل يُدعى «ماثيو دولي» أن يصب الزيت على النار ويؤجج مشاعر الدارسين في كلية الأركان المشتركة بكلية نورفولك العسكرية بولاية فرجينيا ضد «الإسلام» وليس «المسلمين» فقط، وأن يضع منهجاً دراسياً عسكرياً ينطلق من كراهيته للإسلام يتضمن هجوماً بالقنابل النووية على مكةالمكرمة والمدينة المنورة على غرار الهجوم النووي على المدينتين اليابانيتين هيروشيما ونجازاكي خلال الحرب العالمية الثانية..!! من يقرأ أفكار «ماثيو دولي» يصاب بالرعب، وقد تحدثتْ عنها صحف بريطانية وأمريكية ومواقع أجنبية في الإنترنت، وهي متاحة لمن يريد الإطلاع عليها. لكن المذهل هو النبرة العدائية وما انتهت إليه من استخفاف في استخدام القوة النووية في تدمير مكةالمكرمة والمدينة المنورة كما لو أن الحديث هو عن تجربة نووية في أعماق المحيط لا تهدد حياة البشر وكما لو أن مشاعر أكثر من مليار ونصف إنسان مسلم عبر العالم لا تعني شيئاً..!! هذه التعليمات المسمومة تُقدم إلى الضباط الدارسين في كلية الأركان المشتركة، وهم أشخاص مؤثرون وسيتولون أعلى المناصب العسكرية.. وقد تم البدء بتدريس المنهج الذي يحتوي على تلك الأفكار البغيضة منذ عام 2004، ومن المتوقع أن يكون ثمانمائة ضابط قد درسوا ذلك المنهج الخطير..! وكان من الممكن أن يستمر حشو أدمغة الضباط بهذه الأفكار الخطيرة، إلا أن بعضهم سرَّب محتويات المنهج، ونشرت الصحف معلومات عنه، فتفاعلت القضية، الأمر الذي دفع وزارة الدفاع الأمريكية إلى إيقاف تدريسه في الشهر الماضي. ويمكننا أن نتخيل مدى الضرر الذي أوقعه هذا المنهج، ليس الآن فقط وإنما في المستقبل أيضا إذا ما تصرَّف بعض الضباط الدارسين وفق ما تلقوه من أفكار خطيرة في ذلك المنهج. للأسف، يبدو أن هناك من يسعى إلى التصعيد بدلاً من إيجاد أرضية مشتركة للحوار والتفاهم بين الأديان والحضارات والثقافات. ومن المزعج أن يتم ذلك في مؤسسة عسكرية مهمة للغاية، وأن يكون وفق منهج دراسي موجَّه يهدف إلى تكريس أفكار سلبية عن «الإسلام» وليس فقط عن «المسلمين» مما يدمر أي فرصة للتفاهم لأن المغزى من ذلك كله هو إيصال رسالة بأن لا أمل للتفاهم مع «المسلمين» إلا بالقضاء على «الإسلام» وهذه فكرة - رغم سذاجتها - في منتهى الخطورة حتى لو اعتنقها عسكريٌ واحد لا غير..!