توقفت باهتمامٍ بالغ لدى دعوة وتبنّي بعض الفضلاء والأخيار المحبّين لوطنهم وشعبهم فكرة جديدة هي من صلب ترسية الوحدة الوطنية والانسجام المجتمعي الذي تسعى له كل دولة وفقه وطني، وتعزز ذلك لدي في لقائنا في الورشة التدريبية التي دعيتُ لها مع نخبة من الزملاء والزميلات في مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني في حوارٍ تقويمي خاص مع الشخصية القديرة والحريصة على رسالة المليك، معالي فيصل المعمر رئيس المركز والمستشار الخاص لخادم الحرمين الشريفين، هذا الحوار الذي طُرح يعتمد على معالجة بعض آثار الصراعات الفكرية بين الاطياف الاسلامية السعودية التي تنشأ من خلال الخلاف والتباين في تقييم بعض الرؤى من الاحداث او المواقف التي يعيشها الوطن والمجتمع وقد أُحبط الرأي العام الوطني من تكرارها، ولسنا ننكر الحق في الخلاف والجدل لكن باتت قضية جذب المجتمع الى دوائر توتر جديدة تدخل منعطفات كبيرة تؤثّر على بنائنا المجتمعي ووحدته الوطنية، ومن أهم ما يمكن أن يعالجه هذا الطرح هو وصول هذه النخب الفاضلة الى مساحة تُنظم الخلافن فبعض الخلاف ناتج عن عدم فهم كل فريق للآخر، وبعضه للشحن العاطفي واختلاف المسارات الفكرية او التربوية السُنية المتعددة، وبعضه قد يكون من مواقف شخصية لطرف نقلها في إطار فكري تنافسي فتعمّمت القضية وهي اصلًا قابلة للتواصل والتوافق. هذا السياق التواصلي هو حزام وطني للسلم العام في الوطن والمجتمع، وأي جهات او افراد تحارب مثل هذا التواصل فهي إما لا تفقه مصلحة الوطن أو أن لديها اهدافًا لا تتفق مع الوحدة الوطنية وضروراتها. هذا النوع من الحوار المجتمعي لا بد ان ينطلق ويتواصل وتعمر به الديوانيات والمجالس، ويُدعى المختلفون إليه ليس للمباهلة او المناظرة او اذكاء الصراع، كما تفعل بعض الفضائيات، ولكن للمفاهمة والمحاورة وتحديد محل النزاع المستحق كما يسمّيه علماؤنا، وهذا السياق التواصلي هو حزام وطني للسلم العام في الوطن والمجتمع وأي جهات او افراد تحارب مثل هذا التواصل فهي اما لا تفقه مصلحة الوطن أو أن لديها اهدافًا لا تتفق مع الوحدة الوطنية وضروراتها، ولا يخفى على أي مراقب أن أزمة الاندية الادبية ولغة الصراع الإعلامية باتت محاور سلبية ولا تخدم هذا الهدف الوطني والوسائط الضرورية لأي مجتمع مدني يؤمن بثوابته الإسلامية وهويته العربية في إطار دولة الحقوق والواجبات والتقدّم المدني القانوني والتنموي، وحدّدنا الحوار بالإسلامي الإسلامي لقناعتنا بأن هذا التوافق بين ما يُعتبر تيار المعتدلين او المحافظين او أي تصنيف آخر سيندرج بالضرورة لمصلحة فقه المواطنة الذي تتفق عليه كل الأطياف الفكرية وتُعالج قضايا استدعاء الصراع الشرس والهجوم والاستباحة لإعراض الناس وتشويههم بناءً على قذيفة فتنة تخترق من خلال هذا الطرف أو ذاك لتحقيق صراع إما ممنهجًا لهدف يستتر تحت عباءة الفكر الاسلامي وهو يسعى لإعاقة أي تقدّم او اصلاح وطني، او طمعًا لتفجير أي توافق لخلق قاعدة انطلاق من القرارات الصادرة من الملك او توجّهات المجتمع المدني الإصلاحية تحت صراخ الطعن الديني الكاذب، وهذا لا يلغي وجود انحراف هنا او هناك يستحق المعالجة لكن هذه الحفلات الهجومية التي تقام تحتاج الى تأمل وفرز دقيق. غير أني ومن خلال الإجماع الذي استشعره في جولات الحوار لأزمة الملف الحقوقي أطرح هنا في موازاة ذلك نوعًا من الحوار الوطني المنهجي والاستراتيجي كمقترح عملي لتحقيق نقلةٍ نوعيةٍ للدولة والمجتمع يساهم عمليًا في معالجة هذا الوضع وهو أيضًا يخلق مسارًا جديدًا للقفز على عوائق الاصلاح الذي اعلنه خادم الحرمين الشريفين «رعاه الله» في اكثر من مضمار وهنا حديثي سينصبّ على الميدان الحقوقي الذي عُطل وتعقد مساره وأضحى مؤثرًا على المسار التنموي، ولو اعدنا تقييم مسارات مشاريع الاصلاح في هذا الاطار فسنجدها اعلان المليك عن النظام القضائي وتأسيس تنظيمه وتطويره، ونظام الاجراءات الجزائية والعدالة للمتهمين، وتأسيس منظمات المجتمع المدني والترخيص لمنظمات حقوق الانسان الاهلية، وبحث العوائق التنفيذية امام تجمّد قدرات جمعية حقوق الانسان الوطنية عن مدافعة المظالم الحقوقية على المجتمع. هذا الحوار لا يحتاج دوائر صخب ولا منابر دعائية لهذا الطرف او ذاك، إنما يكون من خلال تأسيس غرف حوارية خاصة في المسارات الثلاثة، يرعاها مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، لكن في سياق برنامج يعتمده المليك ويكون من ضمنه تردّد هذا الفريق على الملك لعرض رؤيتهم ومن ثم متابعتها وإبلاغه «رعاه الله» اين توقّف هذا المشروع تنفيذيًا، ففي المسار القضائي تؤسس هذه اللجنة من القضاة او المتخصصين ذوي المعرفة والدراية وأيضًا تشمل تنوّع رؤاهم ومهمة هذا الفريق القضائي الكريم بمتابعة معالي وزير العدل د. محمد العيسى بحث مسببات تعطل نظام تطوير القضاء والعمل على معالجة عوائقه وتيسير برنامج التوعية لهم في الشأن العام حذرًا من الأحكام القاسية التي لا يقرّها الشرع المطهّر، والعمل على تحرير مجلة احكام قضائية لشؤون الاسرة تقوم على مقاصد الشرع المطهّر وقضائه الحكيم لإنصاف المظلومين خاصة المرأة والطفل وتخصيص قسم تنفيذي ضخم لمتابعة الجناة على حقوق المضطهدين ومع ضرورة استماع اللجنة الى شهادات من المحامين الحقوقيين وذوي الشأن في الميدان الحقوقي، ثم العمل على متابعة أزمة التأخر ونقص القضاة وكل ما من شأنه تحقيق مرادات العدل العظيم الذي اقرّه ديننا الحنيف، وكان هدفًا موضّحًا في ديباجة اعلان المليك عن التشكيل القضائي ونظامه التقنينيّ، وتُرفع من خلال التقاء اللجنة بالمليك لعرض تقييمهم للإصلاح القضائي، هنا سنحقق استئناف عقدنا الوطني الضروري.