يقول الفنان عباس إبراهيم إنه يتمنى ترك الغناء والاتجاه للإنشاد ويطلب من الجمهور الدعاء له لتحقيق أمنيته تلك, ونحن نقول له إن الأمر بسيط يا عباس فكل ما هو مطلوب منك أن لا تغني فقط, كن شجاعاً واحبس صوتك عن الغناء مادمت مقتنعاً بأن ما تفعله مخالف لقناعاتك, لابد أن تعتزل الآن وحالاً وستكون حينها القدوة الحسنة التي يحق لها أن تنصح منشداً كبيراً بحجم «أبي عبدالملك»؛ فإما أن تفعل ذلك أو سنعتبر كلامك مجرد تصريح في الهواء بلا قيمة أو معنى. لا نريد منك يا عباس أن تعاني من أجلنا أو تضغط على قناعاتك وتغني مجاملة لنا, لا نريدك بطلاً ولا مناضلاً في محراب الفن!, بل نريد لك راحة البال التي لن تحصل عليها إلا بعد اتفاق أفعالك مع قناعاتك, فإن كنت ترى في الغناء إشكالاً شرعياً فاترك المجال حالاً بلا تردد, وأرِح ضميرك من هذا العذاب. لكن عباساً لن يفعل ذلك ولن يعتزل أبداً, وما كلامه السابق إلا دغدغة لشعور الجمهور البسيط الذي يكفيه أن يسمع من الفنان إدانة للفن حتى يرفعه إلى أعلى المراتب. والفنان السعودي يعلم نفسية الجمهور جيداً لذلك ترى بين فترة وأخرى فناناً يُصرّح بأنه مبتلى بالفن ويطلب من الجمهور الدعاء له للنجاة من هذه البلوى!. ولا ندري ما الذي يمنعه من الاعتزال إذا كان مقتنعاً بحرمة ما يفعل. لو كان عباس جاداً وصادقاً في كلامه فإنه سيترك الفن دون أن نعلم بذلك ودون بهرجة إعلامية, مثل ما حصل سابقاً مع فهد بن سعيد وعبدالله السالم اللذان اعتزلا بهدوء ووجدا من الجميع احتراماً لخيارهما الشخصي. فهل سيكون فناننا الشاب شجاعاً مثلهما ويكون صادقاً مع ذاته ويعتزل الفن تماماً؟. إن الأمر بسيط –والله بسيط- ولا يستحق كل هذه الجلبة. كل هذا ضعه جانباً, وانظر لحال الفنان بعد تصريحه بكلام مثل هذا, ففي الوقت الذي ستتوقع منه زهداً في الفن وتحرجاً من حضور المناسبات الفنية, بعد أن أوحى لك بأنه مُكره على ذلك, ستجده يفعل العكس تماماً, ولن ترى منه إلا حيوية طاغية في الحفلات, وغزارة في الإنتاج, وانغماساً مطلقاً في الفن, واستمتاعاً بملايين الريالات التي يجنيها من أعماله, حتى يخامرك اعتقاد بأن من تحدث عن التوبة سابقاً هو شخص آخر غير هذا الفنان الذي يتمايل أمامك الآن على منصة المسرح!. لنكن صرحاء ونقول إن هذه النوعية من الفنانين المتذبذبين, سواء المغنين أو الممثلين, لا يصلحون للمرحلة الحالية التي يعيشها الفن السعودي والتي يحتاج فيها إلى الفنان الواعي المثقف المؤمن برسالة الفن والقادر على الدفاع عنها وإقناع غيره بأهميتها فكرياً وروحياً وجمالياً. إن فكرة الفن لدينا تعاني من تشوه كبير جعلها موضع شك بالنسبة لكثيرين, وبدلاً من أن يُعالج الفنان السعودي هذا التشوّه نجده يعمل على تكريسه عبر تصريحاته بأنه مبتلى ويريد النجاة!. وليس عباس وحيداً في ذلك, بل حتى كبار المغنين أمثال خالد عبدالرحمن والكويتي عبدالله الرويشد يشاركونه عملية التشويه, وما حديث الشيخ محمد العريفي قبل يومين عنهما إلا تأكيداً لذلك, حيث قال إنهما تحدثا معه بما يشي بإقبالهما على الخير وإدبارهما عن «مزمار الشيطان»!. مثل هذه المواقف تزيد من غربة الفن في بلادنا وتمنح خصومه «سيوفاً» يمزقون بها أحشاء الفنان الحقيقي ويقضون على ما تبقى من جمال في حياتنا, لذا نقول لكل فنان غير مقتنع بما يفعل؛ ارحل ببساطة ولا تهدم ما بناه الرواد قبلك.