في تعليق لي على الأخبار في برنامج «صباح السعودية» الذي تبثه القناة السعودية الأولى، قلت إنني لا أؤيد عمل المرأة السعودية في المطار كموظفة كاونتر، يتزاحم أمامها الحجيج في صالة مزدحمة يعلو فيها الصراخ. وبطبيعة الحال لن أؤيد أن تعمل كمضيفة تصب القهوة للمسافرين وتحمل طاولات الطعام بعد أن يفرغ المسافرون منها. بل إنني لا أؤيد أي عمل يعرضها لتحرش الرجال ولا يتيح لها الحماية الكافية وحفظ الكرامة. والسبب في ذلك، أنها أكبر في عيني من أن تمارس هذه الوظيفة. القضية لا تتعلق فقط بعمل المرأة، فعندما يقرر أي كاتب أن يكتب عن المرأة، فإن الملفات تتكاثر أمام عيني عقله، كل يدعوه لفتحه ومناقشته. كلها موضوعات مهمة وأساسية، إلا أن مشكلتها أنها مواضيع كبيرة ومن الممكن أن يغرق الكاتب في جزئية تستهلك مقالته، دون أن يخرج برؤية شمولية للموضوع. من الطبيعي ونحن نتحدث عن المرأة، أن يكون نقيضها موجوداً، فهو شاهد ومحام ومدعٍ وقاض، فلا بد أن يكون حاضراً. فالرجل يعتبر المرأة أحد أهم المشكلات التي تواجهه في حياته، فنجاحه في حياته العملية مهم، لكنه ليس كل شيء، بل من المكمل لتلك النجاحات، أن يكون ناجحاً في شقه العاطفي، حيث تجلس المرأة. أما بالنسبة للمرأة، فالرجل ليس جزءاً من مشاكلها، بل هو كل مشاكلها. والفرق – عند المناطقة – بين الجزء والكل معروف. والمفارقة المضحكة، أن الرجل الذي يتحدث طوال الوقت وفي كل شيء، يريد أيضاً أن يقوم بدور المتحدث عن هذه المشاكل التي تخص المرأة ويريد الكلام (عما تريده المرأة)! استفدت من كتاب ( اكتشاف السعادة ) لبرتراند راسل فكرة أساسية، هي أن النظام السياسي الذي يحكم هذا النظام أو ذاك، هو المسؤول الأول عن سعادة المجتمع، فهو الذي يضع الأنظمة ويشكل نمط الحياة المعاشة، وهو الذي بيده كل مفاصل الحياة الدنيوية. وهذا بلا شك يضع على كاهله مسؤولية عظيمة أمام الله وأمام مواطنيه.ولذلك كان الزعيم ( الرجل ) يتدخل في قضايا المرأة فيصيب أحياناً ويخطئ أخرى. ولقد كان عملاً جريئاً من الرئيس التونسي الحبيب بو رقيبة عندما خرج على شاشة التلفزة وهو يخلع حجاب فتاة تونسية ويقول لها: « إن هذا لا ينفع لك «. بطبيعة الحال كان هذا مشهداً ممثلاً مرَتباً متفقا عليه مع الفتاة. وكان الهدف منه، توجيه رسالة للفتاة التونسية بأن هذه الصورة الجديدة هي صورة « امرأة الغد «. لكن السؤال: هل كان هذا العمل صحيحاً أم خاطئاً بغض النظر عن جرأته؟ من وجهة نظري أن ما فعله أبو رقيبة كان خطأ كبيراً (وهو أيضاً خلاف رجل مع رجل)، ليس فقط بحق تلك الفتاة، بل بحق كل النساء العربيات اللواتي تأثرن بذلك المشهد، فهاهي المرأة التونسية والعربية والمسلمة في كل مكان في العالم تعيش حياة ناجحة وفاعلة وسعيدة، وتقتحم كل المجالات العلمية، وتنافس على كثير من الفرص الوظيفية، دون أن ترمي بحجابها. بل هاهي تعيش حياة متوائمة ومتناغمة جمعت فيها بين ما فرضه عليها دينها وبين متطلبات الحياة والمشاركة في صخبها واعتراكها. إذاً فإسقاط ذلك الحجاب لم يكن له ما يبرره، فقد تبين بعد عشرات السنين من تلك الحادثة أن الحجاب لم يكن معيقاً عن خير. إلا في عيون من يعتقد أن المرأة المسلمة يجب أن تكون نسخة ( بالكربون ) من المرأة الغربية، ويحسبون السنين في تحسر شديد على الوقت الذي ضاع وسيضيع، دون أن يحدث هذا التحول. كثيرون هم الكتّاب الذين وضعوا قضية المرأة، قضيتهم الأولى، ولذلك رفعوا شعار الدفاع عنها في كل محفل، ودارت في فلكها كل أو معظم كتباتهم، إلا أنني لم أرد أبداً أن أكون من هؤلاء، لقناعة بسيطة هي أن المرأة هي من يجب أن يكتب عن قضايا المرأة وليس الرجل. هي صاحب الحق وهي من يجب أن يتكلم، وأي مشروع يخص المرأة، أي قضية تتعلق بالمرأة السعودية، يجب أن نسألها قبل أن نسعى لتطبيقه: هل هذا ما تريده فعلاً؟ المرأة السعودية امرأة محافظة متدينة وعاقلة، وإذا كان نبينا يستشير زوجته أم سلمة في قضايا عامة لأنه يعرف رجاحة عقلها، فمن حق نسائنا المحافظات منهن والمتدينات العاقلات أن يكون لهن كلمة في المشروعات التنموية التي تتعلق بالمرأة وقضايا المرأة فهن أعرف بما تحتاجه المرأة، من أولئك الذين لا بوصلة لديهم سوى مخالفة الرؤية الإسلامية.