أنا مع فكرة ابتعاد القضاة عن الأضواء والإعلام. لا يمكن أبدا تصور انشغال قاض بالظهور المتكرر في الإعلام. هذه الأضواء بالنسبة للقاضي ضررها أكثر من نفعها. أي هفوة تصدر منه من خلال أي منبر من منابر الإعلام مسألة ينتج عنها إضرار بالقضاء وهيبته. ولذلك أجد أن مبررات الدكتور محمد العيسى وزير العدل التي كشف عنها للزميل محمد البيشي ونشرتها "الاقتصادية" على صفحتها الأولى أمس مقبولة تماما. إن قرار المنع من منظور الوزير "لحفظ هيبة القضاء وتعزيز استقلاله عن إبداء أي رأي قد يعرض موضوعه على القضاء". هذه في رأيي مبررات مهمة جدا. ومثلما أن هيئة السوق المالية على سبيل المثال تمنع موظفيها من المتاجرة في سوق الأسهم، حفاظا على الشفافية، فإن من حق مجلس القضاء الأعلى أن يمنع القضاة من التواصل مع الإعلام، حتى لا تقع أي محاذير تؤدي للإخلال بهذه المهمة النبيلة. إن الشيء الغريب أن تجد أصواتا في الجسد القضائي تتهالك من أجل معارضة هذا التوجيه وتفنيده. إن لدى القاضي حصانة تحميه من التعرض للانتقاد، لكن خوضه في الشؤون العامة يجعله محل النقد، وبعض الآراء التي يطرحها تكون مثار استهجان، ومع وجود وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح الأمر يتجاوز مبدأ النقد الهادف إلى السخرية الشديدة، لأن من يكتب رأيه ليس بالضرورة أنه يستحضر هيبة القضاء، ناهيك عن هيبة القضاة. إن على القضاة المعترضين أن يتذكروا أن المحامين ممنوعون من الترويج لأنفسهم من خلال الإعلانات في وسائل الإعلام، بهدف السمو بهذه المهنة عن استغراقها في الهوس التجاري. القضاء أولى حتما من المحاماة في هذا السلوك. شكرا للوزير على هذه الخطوة.