مازال فضاؤنا اللغوي يردد كلمة (حريم) ويوظفها وكأنه يشير بها إلى حزمة ملاعق أو خشب مسندة أو مجموعة (شناط) أو أي استخدام يجعلها كيانا مبهما غامضا بخصائص متأصلة به تتراوح بين الضعف والسذاجة وقلة الحيلة، وهي الصورة المتداولة على مستوى شعبي ولدي كم من أصحاب الرؤى المغلقة التي تعجز عن أن ترى في النساء شيئا عدا فصيلة من المخلوقات بجبلة وخلقة قاصرة - تعالى الله عما يصفون- وهي التي كرمها ربها وكلفها وحملها تمام المسؤولية في إعمار الكون من فوق سبع سموات ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ) سبحان الله التبعيض في الآية الكريمة هنا يشير إلى تمام المساواة في المسؤولية لكن لا أحد يبالي. مصطلح (الحريم) الذي ما برح المتطرفون المطففون يوظفونه في (ثرثرتهم) ويستعملونه في أجندتهم ومخططاتهم لاستقطاب الضوء الذي توارى عنهم واتباع البسطاء الذين انفضوا من حولهم هو بالتأكيد طرح يدفع بالنساء داخل ذلك النفق المظلم الذي يصر على جعلهن ضعيفات مستبحات بلا إرادة, يستلب هويتهن وإنسانيتهن وقدراتهن البشرية ويخنقهن بالوصاية, وفي النهاية هذا النوع من الطرح المختنق بالغبار, هو الذي جعل لسنوات طوال حقوقهن تستباح في المحاكم فتبقى معلقة بلا نفقة أبد الدهر, وتظل تحت ظروف رديئة تضرب عليها الذلة والمسكنة بكومة أطفال دون أن يرغم الذكر على تحمل مسؤولياته اتجاه أولاده, هذا النوع من الوعي هو الذي جعل البعض يستغل بطاقة العائلة واسم زوجته لمآرب دنيئة دون علمها, وهذا النوع من الوعي من الممكن أن يحرم أماً من رؤية أطفالها لدى أب متسلط ( آخر حادثة سمعناها في هذا المجال حول خطيب المسجد المعروف الذي حرم زوجته أطفالها 15 عاما), وهذا النوع من الوعي هو الذي جعل البعض يعضلون بناتهم ويهدرون شبابهن, وهو الذي جعل بعض الذكور يستأثرون بالميراث ويلتهمونه دون القسمة التي قسمها رب العالمين، وعشرات القضايا في المحاكم التي كنا نسمع بها وما زلنا وهي في مجملها ناتجة عن عدم وعي المرأة بحقوقها الشرعية, وعدم إفساح حيز لها داخل المؤسسة العدلية لايصال صوتها وشكواها, وسيطرة مزاج عدواني ينظر لها بدونية داخل المؤسسة العدلية, وبالطبع ما سبق ليس كلاما إنشائيا، بل هناك المئات من القضايا المتورمة النازفة على أرض الواقع تؤكده وتشير له. بالطبع التحركات الإيجابية التي تقوم بها وزارة العدل على أرض الواقع على المستوى الإداري والتطبيقي لمناهضة هذا الواقع والساعية إلى تفكيك إرث مزمن وإعادة الأمور إلى نصابها, تواجه بمقاومة من ثقافة تؤطر جميع النساء داخل مفهوم (الحريم) وتجعل منهن ذلك الكيان المقصى الغامض المليء بالآثام والشرور, ومع هذا لابأس (برضاعة الكبير) كي نتلافى آثام وشرور النساء وكي نحل هذه الأزمة والاحتقان ضدهن, أو لعلنا نلجأ إلى ساحر أريب يوظف مجموعة من السحرة كي يفك عن النساء أزمتهن داخل مصعد المحاكم, فقضية صعودهن في المصعد مع الرجال إنها لعمري قضية عظمى من قضايا الأمة, بحاجة إلى ( هاروت وماروت ) معا ليحسما الأمر. وكم قالوا وكم كتبوا أصحاب الوعي المنصفون وكم دبجوا الصفحات وسالت أنهار الأحبار حول حقوق النساء عبر التاريخ, وكم ذكرونا أن بين يدي المرأة نزلت الرسالة المحمدية, وأول مخلوق آمن وصدق ودعم ودثر وزمل كانت امرأة, وهي التي بايعت في البيعة الأولى والثانية, وهي التي روت الأحاديث الشريفة وروي عنها,.. ولم يشترط عليها أحد أن ترضع الكبار قبل أن تقوم بهذا كله.. لكن يبدو أن على قلوب أقفالها .. فصبر.. جميل والله المستعان.