تعرض الإرهاب منذ بدايته في البلاد مايو 2003 لنقد شديد ومركز من شتى فئات المجتمع، طرحت رؤى وحلول وتصورات لأفضل السبل لمواجهته والقضاء عليه، فقد كان الخطر محدقا والشرر يتطاير، والمخلصون يضعون أيديهم على قلوبهم تحسبا للعواقب. خاصة أن أحداث مايو قد جاءت بعد تداعيات الحادي عشر من سبتمبر وغزوة منهاتن! أحسب أن القضاء على الإرهاب في الوطن كان قضية شبه مؤكدة وكان الرهان على عدة عوامل أهمها الوقت أقله لدى كاتب هذه السطور وقد دخلت في جدلٍ مع الزميل صالح الشيحي حول هذه القضية، ولازلت مصرا عليها. المهم أن الإرهاب تضاءل وإن لم ينته، ولم تنته شروره ولم تنقطع ذيوله، ولكن المهم هو أنه قد انزاح عن الأولوية في المشهد العام، ولم يأت هذا من فراغ بل جاء من جهود حثيثة ومتواصلة من شتى الأطراف الرسمية والثقافية والشعبية وغيرها، وكان لوزارة الداخلية قصب السبق في ذلك لأنها كانت في وجه المدفع وكان الوطن والمواطنون أمانة في أعناقهم حتى يخلصوه من تلك الشرور وقد أدوا واجبهم كما ينبغي وكفوا عنا شر الإرهاب والإرهابيين. كانت تلك محاكمة الإرهاب وهانحن نشهد اليوم محاكمة الإرهابيين، تلك المحاكمة التي طال انتظارها، وكم هو جميل أن تخرج بأبهى حلة قضائية، فيها حفظ حقوق المتهمين بتكليف محامين، وبالحق في الاستئناف، وفيها أحكام بتبرئة لبعض المتهمين، مع سماح بالتغطية الإعلامية للمحاكمات، وكم نحن بحاجة للتغطية الإعلامية الشاملة والتفصيلية لهذه المحاكمات، وحبذا لو كانت بالصوت والصورة ليعرف الكافة مدى شناعة الجرائم التي ارتكبها أو خطط لها هؤلاء، وذلك حتى يستوعب المجتمع قوة الأحكام التي يجب أن تصدر في حقهم، ذلك أن الشرائع والقوانين والأنظمة لم توضع لتدفن في الكتب، أو تدرس في الجامعات، وإنما لتكف شر كل ذي شر وتنظم التنازع بين البشر، ويكون لها موقع الحكم في الواقع المعيش. لعل من حسن الحظ أن محاكمة الإرهابيين في السعودية جاءت بالتزامن مع محاكمة أشقائهم وأقرانهم في اليمن، وكذلك في المغرب، مما يشير إلى أن الإرهاب قد بدأ في الخفوت والضعف، وجاء الوقت لمحاسبة جنوده ومشعلي نار فتنته، وجاء أوان أن تطول يد العدالة كل عابث بالأمن وسادر في الغي. نعم، يجب التمييز بين المجرم والمتهم، بين المشارك الحقيقي ومن حامت حوله شبهات ما، وذلك موجب العدل ومسلك القضاء المستقل، ولكن مع هذا يجب أن ينال المجرمون نصيبهم من العقاب العادل الذي يوازي جرائمهم وتخطيطهم الذي جعل العنف دثارا والتدمير شعارا. أصل من أحيلوا على القضاء هو 991 شخصا من مواطنين وأجانب، وقد أحيل للمحاكمة 330 متهما أي ما يقارب الثلث، وبناء على الأحكام الصادرة يمكن الاستنتاج أن المحكمة قد بدأت بالقضايا الأقل شأنا وتركت القضايا الكبرى لقادم الأيام، ربما كانت تريد أن تثبت للكافة استقلالها وحرصها على تمحيص القضايا، وذلك أمر جيد، غير أن كل ما نتمناه هو أن ينال الإرهابيون ما يستحقون من الأحكام التي تكون رادعا لهم ولمن يحتمل أن يتأثر بهم في المستقبل. [email protected]