لا أعتقد أن إذاعة (يو أف أم) كانت على علم سابق بالتصريحات الرعناء التي أطلقها عبدالمحسن العبيكان في برنامجه الذي بثته الإذاعة يوم الجمعة, حيث قال كلاماً غير مسؤول أفشى فيه معلومات تعتبر من أسرار العمل التي أؤتمن عليها, كما أطلق اتهامات دون دليل ودون غاية إلا الإرجاف وتصوير واقع الدولة على غير واقعها الحقيقي, وما ذاك إلا رغبة منه في الحصول على مكاسب شخصية. نقول إن الإذاعة لا تعلم بالتأكيد أن العبيكان سيتحدث بهذا الشكل المسيء, لكنها مع ذلك تبقى مسؤولة عن كل ما يُطرح فيها, وكان الأولى أن تضع مَن يتابع كلام المذيع وضيفه العبيكان ليضمن التزامهما بخط سير البرنامج وعدم انحرافهما نحو قضايا تتناقض مع سياسة الإذاعة, وهذا معمول به في كل وسائل الإعلام العالمية المحترمة التي تعتبر البث المباشر أمانة كبيرة ولا يمكن أن تمنحه لأي من كان ليتحدث فيما يشاء. وللأسف هذا من الأخطاء الفادحة التي ترتكبها الإذاعات والفضائيات السعودية حين تمنح الثقة كاملة ل"المشايخ" وتفتح لهم "الهواء" ليتحدثوا في أي موضوع يريدونه دون رقيب أو حسيب, وليستغلوا هذا المنبر لتلميع ذواتهم وتحقيق مكاسب شخصية دون اعتبار لتأثير كلامهم على استقرار الوطن وأمن المواطنين والكوارث في هذا الباب أكبر من أن تحصى, حيث لا يمر شهر دون أن يرتكب أحدهم "باقعة" لا تغتفر, ولعل آخرها تطليق مواطن سعودي لزوجته على الهواء مباشرة تنفيذاً لنصيحة رعناء من مذيع البرنامج غازي الشمري. وإذا أضفت لها تصريحات محمد العريفي وفتاوى "مشايخ" القنوات الدينية ، إلى جانب تصريح الشثري المشهور, وفتوى قتل ملاك الفضائيات, وقتل ميكي ماوس, فسيتضح لك أن الخطأ يكمن في هذه الثقة المطلقة التي تمنحها المؤسسات الإعلامية ل"الشيخ" ليتحدث فيما يريد دون رقابة, فالبرنامج يعتبر ملكاً من أملاكه الخاصة وهو من يحدد المحاور والقضايا التي سيتناولها وليس لأحد أن يسائله فيما يفعل. هذا الواقع الإعلامي خاطئ تماماً ولابد أن يتغير, ولابد للقنوات والإذاعات أن تتعامل مع هؤلاء مثل تعاملها مع أي مذيع آخر, فتناقشهم في ما يطرحون, وتحذرهم من أن استقرار "السلم الاجتماعي" يعتبر خطاً أحمر لا يحق لأي من كان أن يهدده, وإذا لم يلتزم بذلك فيحق للمؤسسة أن تحاسبه, لأنه خان أمانة "الهواء" وأحرج المؤسسة بحديثه عن قضايا تتناقض مع سياستها المعلنة. ما يجب أن نعلمه أن التصرف الأرعن الذي قام به العبيكان سيتكرر مجدداً إذا لم تغير الفضائيات والإذاعات من تعاملها مع "مشايخها" وإذا لم تنزع عنهم هالة القداسة فتبدأ بالتعامل معهم كموظفين مثلهم مثل أي موظفين آخرين لديها, علّهم بذلك يدركون أن "الهواء" مسؤولية ولا يجوز لهم أن يستغلوه لتهديد أمن الوطن والمواطنين. مثل هذه البرامج تُجيّش الشارع وتصنع "الكوابيس" وتهدم ما تبنيه الدولة وتحرج المجتمع عالمياً بفتاوى غريبة لا تصدر عن عاقل, حتى أصبحت مصدراً للإرجاف تجاه أي مشروع نهضوي للمجتمع كمشروع عمل المرأة والسينما والترفيه وغيرها. وإذا أردنا أن نقضي على هذه الآراء الشاذة فلابد أن تُراقب الفضائيات والإذاعات محتواها جيداً وأن تتدخل -أثناء البث- لمنع أي مذيع من استغلال موقعه لتمرير أجندته الخاصة.