هل يرعبنا الفكر لذاته كونه مصطلحا يدعو للتفكر والتأمل وإعمار العقل أم لتلك المفاهيم المترسخة أن ما هو عقلي ولا تدخله العاطفة فهو متجرد من أية قيود ويعمل على زعزعة إيمان الفرد وركونه إلى أطروحات الفلاسفة ونظرياتهم التي تخضع الأشياء لعقلية الفرد فقط ؟ أم أن الخوف من متعاطيي الفكر ككائنات بشرية تتكاثر وتورث الأفكار لآخرين قد يصبحون أشواكا تدمي حناجر البعض لكثرة ما يشجبون فعلهم وينادون بإقصائهم ناعتين إياهم بأعداء الدين تارة وعملاء الفكر التغريبي أخرى. نتوجس دائما من الفكر جديده وقديمه ومن تلاقي أفكار المجموعات أو الأفراد بل ونقيم المتاريس والسدود التي تفصل المختلفين أو المتفقين ظنا منا أن اجتيازها مستحيل وإن حصل فالتأثير معدوم بحكم الأجواء المشحونة بالخوف خشية أن يكتشف أمرهم فتطالهم العقوبة. والجميع يستوي في فكرة المنع حتى أنك لتجد الأسرة الواحدة منقسمة على ذاتها أحد ينازعه فكر الغرب والآخر تراث الشرق الذي كان يوما منارة تضيء عتمة الجهل الإنساني ولم يكن يتعارض مع الفكر بل أسس لمدارس رائدة غير أنها أقفلت أبوابها ولفظت طلابها بعد أن وسوس الشيطان في النفوس أن ثمة خطيئة تنمو بذرتها بيننا. وهو ذلك الشيطان الذي نهض من قمة جهله وسيطرة كنائسه ومعابده إلى انتفاضة غير مسبوقة انتهج العلوم والمعارف العقلية سلاحا له يبطش بها من يحاول تقويض فكرة الإصلاح، وما هي إلا مدة قصيرة حتى تأصل الجمال في القيم الجديدة لتنفض أوروبا عن كاهلها عبودية قرون لم تخلف وراءها إلا ظلاما. وفيما هي تنعم بذلك لازلنا نحن نطرق الأبواب بحثا عن ما يميت العقل ويبعث تلك الرؤى المسكونة بالخشية، أن يرحل الماضي متواريا من وهج الحضارة القادمة بقوة من بلدان أخذت ما أنتجته عقولنا لتصدره إلينا خاويا إلا من تنامي كره وخوف من ذلك المختلف معنا. وهذا الخوف الذي يسكننا سلب منا الوعي والإدراك، إن في تلاقي الأفكار وتلاقح الرؤى الخلاص من تلك البغضاء التي تشحن النفوس وتكشف الخبايا التي نرسمها شخوصا لهم معاول تقوض الوحدة دون أن نجرب يوما أن نترك لتلك الشخوص الحرية في أن تتحرك وتتكلم بعيدا عن ظنوننا المسبقة حول ما ستقوله وما تفكر فيه.. إنك لن تعرف حقيقة المختلف وهو صامت بل صمته قد يتكثف ليمطر بعيدا عنك دون أن تستطيع إفادة نفسك أو حمايتها من فيضانه، لذا دعه يجود حولك وشاركه منفعة استمطار الأفكار وذلك الألق في التلاقي ودع نفسك ولو لمرة واحدة فرصة أن تستمع له وفي داخلك يقين أن السريرة نظيفة والهدف وطني صادق.