أشاد بعض الدول والمراقبين بدور الأممالمتحدة في مواجهة أزمة الخليج الذي اتسم بسرعة التحرّك وإيجابية الأداء وفاعلية التنفيذ، بحيث نجح المجلس في دحر العدوان العراقي، وإعادة الشرعية الدولية، ومتابعة تداعيات الأزمة، في المقابل هناك دول أخرى ومراقبون كان من رأيهم أن اعتبار المصلحة هو ما يفسر سرعة تحرّك منظمة الأمم، بدليل أنها ظلت راكدة أو تباطأت كثيراً إزاء انتهاكات خطيرة ضد الشرعية الدولية كاحتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، أو تدخّلات الولاياتالمتحدة غير المشروعة في جرانادا ونيكاراجوا وغيرها، فالتمسّك بالشرعية الدولية في حالة الكويت والعراق، وعدم التمسّك بها في حالات أخرى يلقي بشكّه حول استقلالية منظمة الأمم. ولندع جانباً موضوع المصالح والاستقلاليات ونقول إن واقع الحياة الدولية يؤكد على التوسّع في تفسير المادة 51 من الفصل السابع لميثاق الأمم، بحيث تقترب «آلية الدفاع الشرعي الجماعي عن النفس» من آلية «الأمن الجماعي»، ونعني من حيث الردع الذي أصبح قاسماً مشتركاً بين الآليتين حتى صار من المتعذِّر الفصل بينهما، وهذا ما استثمره مجلس الأمن في حالة الكويت والعراق، فلم يكتفِ بتأكيد حق الكويت والدول المتعاونة في الدفاع عن الذات، ولكنه أجاز للقوات المتحالفة اتخاذ التدابير العسكرية البحرية والجوية المتناسبة مع الظروف بغرض تنفيذ العقوبات الاقتصادية على العراق، وحيث أن منطق العقوبات يقوم على فكرة «الردع»، تحولت قوات التحالف إلى أداة هذا الردع، والتي أذن لها مجلس الأمن بمقتضى الفصل السابع من الميثاق، بدعم تنفيذ القرارات الخاصة بحالة الكويت والعراق، و«إعادة السلم والأمن الدوليين إلى نصابهما»، فماذا نفهم؟! إن حرب تحرير الكويت جمعت وبتفويض من مجلس الأمن بين «آلية الدفاع الشرعي الجماعي»، و «آلية الأمن الجماعي»، ما دعا إلى تشكّك البعض في شرعية التفويض من الناحية التقنية، على أساس أن مجلس الأمن هو الذي يضع الخطط اللازمة لاستخدام القوة المسلحة بمساعدة لجنة أركان الحرب (أو مقامهم) للأعضاء الدائمين في المجلس، أمّا تشكيل قوات تضعها الدول تحت إمرة المجلس فتكون بناء على طلب المجلس وطبقاً لاتفاقات خاصة، وحيث أن هذه الإجراءات لم تُتّبع في حالة الكويت والعراق، فقد قيل إن مجلس الأمن تجاوز حدود اختصاصاته المقررة في الميثاق. وللتحليل نقول إن التقيّد بحرفية النصوص القانونية إنما يتجاهل طبيعة عمل المنظمات السياسية التي يجب أن تتكيف مع التغيرات الجذرية والمتلاحقة للبيئة الدولية (أشرنا إليه في مقالة سابقة)، فإن تطلب هذا التكيّف استحداث أدوار أو أدوات إضافية ومتداخلة تنم عن تطور جديد لوظائف المنظمة الدولية تتجاوز أحياناً نصوص دساتيرها، ولكن لا تتعارض مع فلسفتها وأهدافها عامة، فأهلاً بمنظمات دولية بوظائف سياسية تعكس تطور المجتمع الدولي، بمراعاة المتوازنات المتغيّرة ونوعية القضايا المطروحة، فالمنظمة الدولية ليست هيئة قضائية منوط بها تطبيق القانون، وهذه نقطة مهمة يجب ألاّ تغيب عنّا، فماذا هي إذاً؟ هيئة سياسية وإدارة دبلوماسية تعمل في ظل توازن دولي دائم التطور، وعليه نقول إنها عملياً وإن كُلفت كمنظمة بعدم الخروج عن الأهداف العامة للميثاق، غير أنها تستطيع استخدام الوسائل المتاحة لها لتحقيق الأهداف وإن لم يوجد نص صريح يُقر تلك الوسائل، وهذا ما يُطلق عليه فقهاء القانون ب «التعديل الضمني»، وبمراعاة هذا النوع من التعديل، وأخذاً بالتفسير الواسع لنص المادة 51 من الميثاق نقول إنه على منظمة الأمم ألّا تتقيّد بحرفية منطوق مبدأ قانوني مجرد، وتتجاوزه إلى قرارات وتدابير أكثر حزماً وحسماً وابتكاراً في حل الأزمة السورية، فتجاوز الحكومة السورية لن يُعالج بتقيّد منظمة الأمم القانوني!