بدأ الوعي يتشكل من جديد داخل عقول الشباب، وبشكل مختلف، يتجاوز سيطرة الأدلجة وأوهامها، بحيث أنه لا يمكن استغفالهم وإدخالهم في وسط الصراعات المفتعلة، مقارنة بجيل الكبار، فهو جيل لا يريد أن يكرر تاريخ آبائهم المغيب لمعانٍ كبيرة. ومن ينزل للميدان الإلكتروني يدرك حجم الوعي الذي يسكن عقول وقلوب الشباب والشابات، ومن المواضيع الجديدة التي يتبناها الجيل الجديد، البيان الذي صدر قبل أيام قليلة، من أهدافه مصلحة الوطن، وحماية الإنسان، وتشخيص الأمراض الاجتماعية، مثل «الوصاية الفكرية» التي تصادر حق العقول في التفكير والمشاركة بالرأي، والادعاء المزيف في امتلاك الحقيقة وكل من يملك رأياً مختلفاً فهو على باطل وضلال، ونشر «ثقافة التحريض» والتخوين الديني والوطني والاستعداء وغيرها من الأمراض الخطرة... فمضمون البيان يستنكرها ويدعو لضمان الحريات، والالتزام بآداب الحوار والاختلاف، وهو يعبر عن العمق في الوعي، والنضج في مستوى الأفكار والصياغة التي قدم بها البيان، فهم يعتبرون من أكبر شرائح المجتمع، يريدون أن يسهموا في بناء مجتمع حضاري متماسك يقف فيه المواطن بشكل صحي لا يدخل في قلبه اليأس. تهميش الشباب، مشكلة المشكلات، الشباب هم أشبه ما يكونون بالقنابل الموقوتة، يحتاجون إلى من يعرف آلية التعامل معهم بشكل ناضج وإدراك لظروفهم، وهم طاقات ضخمة، إما أن يتم توظيفهم بشكل إيجابي، أو سيصبحون أداة سلبية من الصعب السيطرة عليها... ليس هناك أقبح من أن يترك الإحباط يدخل قلوب الشباب، ولا يكون هناك أية محاولات مبذولة نحوهم، من أجل استيعاب ظروفهم وحاجاتهم الأساسية وإعطائهم حقوقهم الطبيعية... وهم الثروة الحقيقية. إن سياسة «فرق تسد» سياسة فاشلة، ليست في مصلحة من يوظفها في خلافاته وصراعاته، قد تخدم فترة وجيزة، لكن باقي الزمن أثرها السلبي عكسي على المستخدم. إن المجتمعات التي تكون فيها قيمة الإنسان هزيلة، والسقف منخفضاً، من المعلوم أن مثل هذه المجتمعات تكون بيئة مهيأة لتجذر مفاهيم النفس الطائفي، التي تكون فيها نسبة التوتر حادة، والنفاق نسبته عالية، والعصبية النتنة مسيطرة، والكراهية العميقة متجذرة في القلوب والعقول، والإحباط ساكن في مشاعرهم، وأفراده لديهم قابلية عالية للذوبان تحت أي تيار يحقق مصالحهم، بحكم الواقع السيئ الذي لا يرون فيه أي أمل، هذا المرض يحتاج إلى تفكيك وتحليل علمي ناضج وواقعي، بعيداً من فكرة الحلول التقليدية التي ضررها أكثر من نافعها. لا بد من تهيئة المجتمع لكل المتغيرات والأحداث الحالية والمقبلة، لا بد من زراعة القيم الكبيرة داخل المجتمع وتجديدها، ونشر معاني التسامح والشفافية والوضوح، ومفهوم العلاقات الإنسانية الذي مرتبته مقدسة فوق كل أنواع الاختلافات الفكرية والمادية. عقول البعض من المربين، ومن له شأن وتأثير، تحتاج إلى تحديث من أجل فهم ظروف الواقع، وما يعاني الشباب الذين هم يشكلون معظم البلد، حينما يتجاوز الوعي مستوى الواقع الاجتماعي والظروف المحيطة، فالأمر يحتاج لمعالجة موضوعية صريحة وصادقة. * كاتب سعودي.