جيل الشباب هم قلب الوطن النابض، وبقدر الاهتمام المبذول نحوهم يعرف حجم الاعتناء والتقدير الذي يحصلون عليه من واقعهم الاجتماعي والتعليمي، وإهمالهم وعدم توظيف طاقاتهم، وعدم إعطائهم حقوقهم، كل ذلك يعبر عن نسبة التهميش في حقهم... جيل الكبار من الواجب عليهم تجاوز استخدام لغة الكهولة بلغة العصر، لأنها أصبحت لا تُجدي مع جيل الشباب الذي يفكر بطريقة واعية... جيل مختلف في طريقة رؤيته للحياة، جيل يتجاوز والديه وأساتذته في معرفته للواقع، وكمية المعلومات التي يحصلون عليها، ومتابعتهم للعالم وأحداثه، وفاعليتهم في الفضاء الإلكتروني. الآن نعيش انفتاحاً كونياً غير مسبوق، وهو اختبار حقيقي للعملية التربوية، والقيم التي يحتضنها المجتمع ويسوِّق لها، وهذا الجيل هو «أولاد الفضاء المعلوماتي»، كما أطلق عليهم ذلك العالم أنثروبولوجي الدكتور أحمد أبو زيد. من المؤلم جداً أن يكون هناك اختلاف جذري في الوعي بين الجيلين، وليست هناك مبادرات من جيل الكبار في النزول للواقع، ومعرفة ما يناسب جيل الشباب بشكل دقيق. أما الاجتهادات لترميم النقص والأخطاء، فهي لن تجدي في ظل المتغيرات التي تتجاوز طريقة تفكير العقول القديمة بمراحل لا يتصورها العقل. هذا الجيل يختلف كثيراً عن آبائهم وآباء آبائهم في مستوى الوعي والثقافة، وطريقة النظر للحياة، فهم لا ينتسبون لهم إلا بالاسم فقط. تشير الدراسات، ويشهد الواقع، أن فئة الشباب في المجتمع السعودي هي أكبر الفئات. استيعاب الشباب مطلب ضروري، وأي تأخر في مد اليد نحوهم واحتواؤهم هو اعتراف بالضعف وعدم السيطرة وعدم الاكتراث بمشكلاتهم وما يعانون منها. من المعلوم أن الشباب هم نتاج واقعهم الاجتماعي والتعليمي والسياسي والاقتصادي، كما أضم صوتي لصوت الدكتور مصطفى حجازي في تأسيس فرع معرفي جديد هو «علم الشباب» داخل الجامعات العربية، والعمل على الإحاطة الشمولية بواقع جيل الشباب ومعالجتها بطريقة واقعية وعقلانية. الأجواء الأكاديمية في الجامعات العربية تعزل الطالب عن الحياة الواقعية، وتسهم في تعميق الفجوة، وغير قادرة على التعامل مع الانفتاح الكوني... الجيل الإلكتروني يعيش حال نضج باكرة... النزول للميدان الإلكتروني كافٍ لمعرفة حجم الوعي الناضج لدى الشباب المعاصر، الذي ينتظر من يقرأه بالشكل المطلوب، ويعالج همومه بعيداً من الطريقة التقليدية الفاشلة التي تخلق أزمات. المؤسسات التعليمية والتربوية يجب عليها المبادرة بتأسيس مشاريع داخل الأحياء السكنية كتأسيس مكتبات للقراءة والبحث فيها، ونوادٍ رياضية، لاحتواء الشباب وتوظيف طاقاتهم في ما يخدم الإنسان والمجتمع. إذا نظر للواقع التعليمي وما ينتج عنه من إشكاليات، وما يعانيه جيل الشباب في ذلك، وفي واقعهم ومستقبلهم، هو في الأساس ناتج من مشكلة التخطيط الاستراتيجي للتعليم في مختلف مراحله ومستوياته ومجالات التخصص، وفتح المجال لتخصصات لا تحتاجها سوق العمل، وتضييق الخناق على ما تحتاجه سوق العمل. العملية التربوية في حياتنا الاجتماعية تحتاج إلى تفكيكها وإعادة تركيبها من جديد تحت ضوء الواقع وظروفه. جيل الشباب المعاصر يستطيع أن يتحدث ويتعلم أكثر من لغة في الوقت نفسه، ويعرف اختلاف العلماء، ويدرك كل ما يُطرح على أرض الواقع في كل مكان بشكل دقيق. الجيل الحالي ضد الفكر الرجعي، وضد فكرة التخطيط في القضاء على حقوقهم ومصادرتها، فهو يتناقض مع الجيل السابق الذي يقبل المصادرة... من الواجب فتح المجال للشباب وتلبية حاجاتهم بكل اهتمام وتقدير، وإعطاؤهم المجال في التعبير عن آرائهم بكل حرية، والتحاور معهم بالأدلة والإقناع وغير ذلك لن يجدي... ليس هناك أقسى من الشعور لدى الشباب بانسداد آفاق المستقبل أمامهم. الشباب يبحثون عمن يساعدهم في رسم صورة إيجابية نحو ذواتهم، وتعزيز الثقة لديهم، ومدهم بالحب والحماية والتقدير. هناك مفاهيم شائعة مرسومة في أذهان المسؤولين عن الشباب، أنهم لا يريدون العطاء والنماء والتطور والمشاركة والتحدي. يجب ألا يُحكم على الشباب من واقع مجموعات قليلة لا تعكس صورة كل الشباب بشكل موضوعي ومدروس، ولا يقاس عليها ولا يتحمل الآخرون ذنبهم... المسؤول نسي أنه كان شاباً في يوم من الأيام. لا بد من إعطاء الشباب الاستقلالية التي يشعرون فيها بقيمتهم، ومعرفة ثقة المجتمع نحوهم، من أجل خلق جيل يكون على قدر عالٍ من الناحية النفسية والنضج المعرفي والكفاءة الشخصية. * كاتب سعودي. [email protected] twitter | @alzghaibi