(1) قلت له : مات منذ عام ، ولم أقم بشطب رقم هاتفه من القائمة ! .. كلما قلّبت قائمة الأسماء في الهاتف ومررت على اسمه ، أتوقف قليلاً وأتهجّى الحروف كأنني أستعيد ملامحه وابتسامته الطيبة .. لم - ولن - أقوم بشطب أسماء الذين أحبهم حتى وإن غابوا ! أخذني الحنين إليه ، وأضفت : هل تصدق ؟ أحياناً أفكّر بضغط الرقم والاتصال عليه !! قال لي : لا ألومك .. صديقي مات منذ عامين ، وكل عيد أرسل له ضمن القائمة رسالة التهنئة !.. أخجل أن أتجاوزه . قلت : هناك من سيسخر منك ومني لفعلنا هذا !.. لماذا نحن شعب بلا ذاكرة ، ولا نحتفي بالذكريات ؟ عندما يغيب الذين نحبهم نلغي أسماءهم من كل شئ ، وننزع الصور .. هذا إذا لم نمزقها ، ونقوم بشطب أرقامهم . نخجل من الاحتفال بتواريخنا الشخصية المهمة . ننسى تاريخ زواجنا ، ولا نحفظ تواريخ مواليد أطفالنا .. وإن تذكرنا لا نحتفل ولو بتقديم وردة . (2) يبدو أن الأمر يتجاوزنا كأفراد : حتى المؤسسات نفسها لا تهتم بذكرياتها ، والآثار التي تحملها ، ولا تحتفي بأيامها كما يجب .. كل فترة يتعرض إرث وأثر للهدم ، وآثار أخرى تتعرض للإهمال اليومي .. لدينا مشكلة مع كل أثر ، وكأن الحفاظ عليه يحتاج إلى إجماع فقهي ! هناك أمم تحاول أن تصنع التاريخ .. وأحياناً تسرقه .. وهناك أمم لديها تاريخ : تسوّره ، وتهمله ! (3) ذاكرتنا مثقوبة ! ومن لا (يتذكر) الماضي بشكل جيّد .. لن (يتخيّل) المستقبل كما يجب . ذاكرتنا أصابها " زهايمر " الإهمال والتخلف !