يطرح أبو إسحاق الحويني - أحد أعلام التيار السلفي في مصر - خيار الجهاد المقدس كمخرج مؤكد، وحل مجرب للأزمة الاقتصادية الطاحنة في مصر، يقول أبو إسحاق في محاضرة نفاها مريدوه، وأكدها هو بنفسه ما يأتي: «هو الفقر اللي إحنا فيه ده مش بسبب تركنا للجهاد؟ مش لو كنا كل سنة عمالين نغزو مرة ولا اتنين ولا تلاتة مش كان هيسلم ناس كتير في الأرض؟!». كيف بالله عليك يا مولانا سيسلم هذا المغلوب الذي اختطفت منه زوجته وبناته، وسرقت منه ممتلكاته وأمواله، وكسرت بداخله رجولته وكرامته؟! تذكرني هذه الطرفة «الحوينية» بأخرى قالها شيخ المجاهدين «ابن لادن» من جوف كهفه عشية تفجيرات 11 أيلول (سبتمبر) من أن آلاف الأميركيين دخلوا دين الإسلام زرافات ووحداناً بعد أن قام 19 كوكباً بخطف الطائرات، وتفجير المباني والناطحات، وإزهاق أرواح الآلاف! لنمضي مع مولانا أبي إسحاق، وهو يضع في أيدي مريديه الوصفة السحرية لتطليق أيام الفقر والسنوات الشقية: «كل واحد كان هيرجع من الغزوة جايب معاه تلات أربع أشحطة (رجال) وتلات أربع نسوان، وتلات أربع ولاد، اضرب كل رأس في 600 درهم ولا 600 دينار (لاحظ استخدام الشيخ لنقود العصور الإسلامية التاريخية) يطلع بمالية كويسة»، أتحدى أن يكون جهابذة الاقتصاد وفطاحلته قد تمخضت عقولهم عن مثل هذا الحل السحري الذي سيجفف منابع الفاقة، ويردم مستنقعات البطالة، ويملأ جيوب المجاهدين بالدراهم والدنانير؟ نسيت أن أخبركم بشيء مهم، يقول أبو إسحاق «إن من يهاجم هذا الخيار الاقتصادي المذهل، فإنه سوف يملأنها عليه خيلاً ورجالاً»، اسمع ما يقوله مولانا أبو إسحاق: «واللي يرفض هذه الدعوة نقاتله، ونخدوا أسيراً وناخد أموالهم ونساءهم وكل دي عبارة عن فلوس»، أسمعت؟ اللهم أني بلغت... اللهم فاشهد. إن عبارات أبي إسحاق الواردة أعلاه جاءت بالكامل - من دون تصريف - من كتاب «السلفيون في مصر ما بعد الثورة»، والصادر عن مركز الدين والسياسة للدراسات، على رغم النفحة الفكاهية الطاغية على كلمات الرجل إلا أنه لم يكن يمزح أو يهرج، ما جرى على لسان أبي إسحاق من عصارة كلام ليس سوى ما يطحن في رأسه من أفكار، فعلى رغم أن أبا إسحاق وأنصاره يحيون في الألفية الثالثة أجساداً إلا أن أفئدتهم وعقولهم مازالت تحيا في الماضي. إذن، لا غرابة بعد ذلك لو التمس أبو إسحاق وأمثاله حلول القرون القديمة في الإجابة عن أسئلة القرون الحديثة، ولكن، هل سيبقى السلف أسرى هذه العقلية الإتباعية والماضوية، للأبد؟ لا أظن، أعتقد أن أبا إسحاق، لو سئل اليوم، وبعد أن صار للسلف كلمتهم المسموعة ورايتهم المرفوعة، عن العلاج لمتاعب مصر الاقتصادية، لما فتح باب الجهاد! قبل انفجار الثورة المصرية، وانهيار النظام الحاكم، وصعود التيارات الدينية، كانت الجماعات السلفية تقول: المشاركة السياسية حرام... الديموقراطية حرام... المظاهرات حرام... معاهدة كامب ديفيد حرام... ولاية المرأة حرام... حرام... حرام... اليوم، السلف يشاركون في الانتخابات، على رغم حرمته، ويعترفون باتفاق كامب ديفيد، على رغم حرمتها، ويقبلون بترشيح ناقصات العقل والدين، على رغم حرمتها! كيف نفسر هذا الانقلاب السلفي على مبادئه الأصيلة؟ الجواب ببساطة: إن للعبة السياسية اشتراطاتها وقواعدها الملزمة لكل الأطراف المشاركة، لا يمكن للسلف أن يقتحموا عوالم السياسة بكل تلك الأثقال التاريخية، وما تحمله من مشاعر إنعزالية ومصدات فكرية، لا يمكن للسلف خوض بحور السياسة المتلاطمة بعقلية أبي إسحاق، ألم أقل مراراً أن التيارات المتأسلمة لا تفترق عما سواها في شيء سوى تنميقاتها الدينية وقشورها الخارجية؟