كتب رئيس تحرير صحيفة الشرق في عدديها 104، 106 مقالتيه عن (الإخوان المسلمون) مستعرضاً تاريخهم نشأة وأهدافاً ومخطَّطات معلنة وسريَّة في مصر حيثُ ظهرتْ جماعتهم، وفي البلاد العربيَّة حيث انتقلتْ إليها قيادات وكوادر وأفكار وخلايا ومخطَّطات معلنة وسريَّة، ومنها لدول الخليج العربيَّة، واستعرض مواقف قرَّاء مقالتيه فوجد غالبيتهم فهموا مقاصده في ضوء اهتماماتهم بثوابت الوطن ومعطياته ومكوِّناته البشريّة والفكريَّة ومطالباتهم الإصلاحيَّة لقطع الطرق على المتربِّصين بوطنهم منهم وممَّن تفرَّع عنهم تحت عباءة الصحوة من مواطني بلادنا، وهم الحركيُّون المنتمون لجماعة الإخوان المسلمين أو أحد تفريعاتها وتنظيماتها الناشئة عنها أو المنشقَّة منها، المنكرون لتأثيرها الفكري ولوجود تنظيماتها السريَّة في الدول الخليجيَّة. أعود بذاكرتي للعقد الأخير من القرن الهجريِّ السابق حيث سنواتي الجامعيَّة الأولى ولعقدين قبله حيث تسرَّبت ظاهرة الإخوان المسلمين لبلادنا هروباً من مطارداتها في مصر وبلاد الشام فلقي رموزها في مجتمعات الدول الخليجيَّة احتفاءً بهم نكايةً بدولهم آنذاك، ولاقوا فوقه تقديراً وصل لمنح معظمهم الإقامات الدائمة والجنسيَّات الخليجيَّة مبرَّراً آنذاك بدوافع إنسانيَّة، وأتيح لحاملي المؤهِّلات العليا منهم والناشرين مؤلَّفاتهم في المجالات الإسلاميَّة والفكريَّة في بلادنا العملُ في إعلامها وتعليمها وجامعاتها آنذاك، وبفعلهم انتشرت مؤلَّفات زعيم جماعتهم بأموال الدول الخليجيَّة، وتجاوزوا ذلك في بلادنا لصياغة سياسة التعليم العام والجامعي وأهدافه وغاياته ومفردات مناهجه، التي ما زال تعليمنا يدور في أفلاك صياغاتهم الأولى. وكان لمن عمل منهم في جامعاتنا تأثيرٌ كبير ومخطَّط له لينتقل منها لمؤسَّساتنا التعليميَّة وغيرها، وخاصَّة في جامعاتنا المهتمَّة بالتخصُّصات الإسلاميَّة والعربيَّة والعلوم الإنسانيَّة كتوجُّه عام لها، وفي كليَّات تضمُّ تلك التخصُّصات، بل وتسلَّلوا إلى الكليَّات العلميَّة مدخلين فيها ما سمَّوه بمقرَّرات الثقافة الإسلاميَّة، واللغة العربيَّة، والشريعة الإسلاميَّة كمتطلبات إجباريَّة واختياريَّة، فتجاوزت تأثيراتهم ومخطَّطاتهم ذلك لاختيار المعيدين في الجامعات فسنُّوا شروطاً تتناول الشخصيَّة بالمقابلات وبالتَّتبع السرِّي بتكوين الملفات للمظهرين في سنواتهم الجامعيَّة الأولى تفوُّقاً في التحصيل العلمي وحيويَّة في القدرات والمواهب والحوارات والإنتاج الفكري مقالة أو شعراً، وجعلوا المقابلات فوق القدرات والتقديرات العلميَّة التخصُّصيَّة، وفي ضوء توجُّهاتهم أقصوا غير المتوافقين معها وكنت من ضحاياهم، ورشَّحوا المتوافقين معها وإن كانوا الأدنى تحصيلاً علميّاً وقدرات ذاتيَّة، وبذاك زرعوا في جامعاتنا مؤيِّديهم مسانديهم المعترفين بأفضالهم، أولئك الذين أوصلوهم لمناصب مؤثِّرة في جامعاتهم وكليَّاتهم بحصولهم على درجات الدكتوراة من أقسام الدراسات العليا التي كانت ضمن مخطَّطات الإخوان المسلمين ومنجزاتهم اقتراحاً ونشأة وتدريساً وقيادة، فأشرفوا على رسائلهم العلميَّة مستكملين تكوينهم الإخواني. ظهر الصفَّ الأول من قيادات الإخوان المسلمين السعوديِّين من بين المعترفين بأفضال مشايخهم الإخوانيِّين اللاجئين ليمكِّنوهم أكثر من مفاصل الوطن بجامعاتنا وبغيرها فاستقدموا بتوجيهاتهم وتزكياتهم آخرين من الإخوان المسلمين من بلادهم ليعملوا في جامعاتنا بالتخصُّصات العلميَّة، وحمل الإخوانيُّون السعوديُّون لواء جماعة الإخوان المسلمين في بلادنا توجُّهاً وتأثيراً وتخطيطاً وساروا الطريق إقصاءً للآخرين نيابة عن مشايخهم الذين شاخوا، ولتكوين الصف الثاني من قيادات الإخوان المسلمين السعوديِّين، وحينما تشبَّعت الجامعات بأولئك وُجِّه الصف الثاني للتعليم العام عن طريق كليَّات المعلِّمين التابعة آنذاك لوزارة المعارف وشاركهم متعاقدون استقدموا من بلادهم من مصر والشام بتزكيات شيوخهم، وظهرت أسماء مستجدَّة كالسروريَّة والسلفيَّة وغيرها للتغطية على مسمَّى الإخوان المسلمين تمريراً لخطط الجماعة وأهدافها دون استثارة الآخرين في ضوء انكشافاتهم وإخفاقاتهم في بلادهم. غرس هذا التوجُّه المتطرِّف ذو الغايات والأهداف والخطط الحزبيَّة بدءاً من الإخوان المسلمين اللاجئين لبلادنا ومروراً بالصفين الأول فالثاني من طلاَّبهم الممسكين بزمام الأمور باعتلائهم المناصب وتوليهم المهام الكبرى في الجامعات وفي التعليم العام وفي وزارة المعارف آنذاك كموجِّهين وخبراء مناهج دراسيَّة ومؤلِّفين لها، فتكوَّنت محاضن الجماعة لتفريخ أجيالٍ قادمة في التعليم العام وفي منابر جوامعنا وحلقات تحفيظ القرآن الكريم، بل أوصلتهم الخطط الإخوانيَّة إلى الجمعيَّات الخيريَّة والتطوُّعيَّة، فتمكَّنوا من خلالها من تمويل جماعة الإخوان المسلمين على اختلاف مسمَّياتها في بلادنا وفي البلاد الأخرى، ليبدؤوا بتنفيذ مخطَّطاتهم العمليَّة بما سمَّوه بالجهاد في مناطق إسلاميَّة أخرى أولاً ليرتَّدوا لبلادنا بمسارات تالية، وخدع كثيرون من أبناء الوطن بتوجُّهاتهم ومخطَّطاتهم، وانتهز آخرون ذلك لتحقيق مصالح خاصَّة ماديَّة واجتماعيَّة، وواجهوا معارضيهم بتصنيفهم ليبراليِّين وبتفسيقهم ووصل الأمر ببعضهم لتكفير بعض من معارضيهم.وحينما انكشفت بعض مخطَّطاتهم وتنبَّه لهم الوطن وواجههم وحال دون تنفيذ معظم عمليَّاتهم وقبض على آلاف منهم، وصودرت كميَّات كبيرة من أسلحتهم المهرَّبة إلى الوطن والمصنوعة فيه وعلى كميَّات كبيرة من الأموال، وبدأت عمليَّات مناصحاتهم التي قيل بإثمارها في البعض، التي تسلَّل إليها إخوانيُّون كمناصحين أو هاربين من ماضيهم فكريّاً وحاضرهم عمليّاً، أعلن بعض قياداتهم وكوادرهم التراجع، ولكن ليس كما قيل: إنَّ القادة حينما يقتلون أو يستسلمون ينهزم أتباعهم، فهذا ما لم يلحظ في بلادنا، فإمَّا أنَّ أولئك ممَّن ظهرت أسماؤهم في أخبارنا وفي قوائم الجهات الأمنيَّة ليسوا هم القادة، وإمَّا أن يكون هناك صفٌّ من قيادات أعلى منهم لم يقبض عليهم بعد.لذلك لا بدَّ من العودة لبدايات ظهور الإخوان المسلمين في بلادنا وتتبع أشياخهم الأُوَل اللاجئين لبلادنا وتتبُّع رموز الصف الأول والثاني المنتجين في جامعاتنا ومحاسبتهم، وليس أقل من سحب الجنسيَّة والإقامة الدائمة ممَّن منحوها في بلادنا وفي دول الخليج العربيَّة العاملة معاً في إطار أمنيٍّ واحد تحت مظلَّة مجلس التعاون الخليجيِّ، وسحب كتبهم الحاملة فكراً إخوانيّاً مبطَّناً، وإبعاد من أعدَّتهم الجماعة من الإخوانيِّين السعوديِّين من جامعاتنا وجمعيَّاتنا التطوعيَّة والخيريَّة ومن وزارة التربية والتعليم ومن الجهات المؤثِّرة في شبابنا المخرِّجة إخوانيِّين يفسدون الدين ويزعزعون الاستقرار والأمن، وإبعاد المنكشفين بدفاعاتهم عن الجماعة المسوِّقين لأفكارها وتوجُّهاتها من إعلامنا الرسمي والفضائي.