ما يحدث الآن على الحدود السورية هو واقع إنساني صعب ومحزن للغاية، وبعيدا عن كل التقاطعات السياسية، وبلا مبالغة، فإن السعوديين هم الأولى والأقدر على التفاعل مع مثل هذا الواقع وإنقاذ إخوانهم مما هم فيه. يعرف العالم كله، كيف يقف السعوديون معه حكومة ومؤسسات وأفرادا في وجه ما قد تتعرض له بعض دول العالم من كوارث وأحداث تمر به وتتسبب في وقوع مآس إنسانية، تتصاعد معها الحاجة لعمليات إغاثة واسعة وضخمة، تسهم في تقليل دائرة الألم والبؤس والاحتياج الذي ينتج غالبا جراء تلك الكوارث. يعرفنا العالم كله من شرقه إلى غربه ومن جنوبه إلى شماله، وبمساواة واضحة بين الدول الغنية والدول الفقيرة، من كوارث كاترينا إلى كوارث تسونامي، ومن الصين إلى بنجلاديش إلى إندونيسيا إلى مختلف دول القارة الأفريقية، ليس على المستوى الرسمي فقط بل على المستوى الشعبي أيضا. لا تخلو ذاكرة أي مواطن سعودي من حملات التبرع والإغاثة التي ألفناها جيدا وهي تنطلق على تلفزيوننا السعودي، وبنقل مباشر من كل مناطق المملكة، وكلنا نتذكر مشاهد الأطفال والرجال والنساء وهم يتجهون بكل كثافة إلى المراكز التي يتم تخصيصها لاستقبال التبرعات وكيف يجود كل بما لديه، في مشهد يمثل رسالة حضارية للعالم، ورسالة أخوة ومحبة وسلام تنطلق من هذه الأرض بأبنائها الذين منحهم الله من الخير والرخاء ما لا ينسيهم إخوانهم في مختلف أصقاع الأرض. تمثل حملات التبرع لدى السعوديين مواقف نبيلة للغاية ذلك لأنها تتم وفق طريقة تتجاوز حدود اللغة والعرق والجغرافيا وتلك إحدى الرسائل الإيجابية التي تتضمنها مثل هذه الحملات. إن أبرز حدث يمر بنا ويمثل زادا يوميا في أحاديثنا وبكثير من التعاطف والحزن والقلق ونحن نشاهد ما يحدث في بعض المدن السورية من واقع أدى إلى حالات نزوح مستمرة لمئات الآلاف من المواطنين السوريين إلى دول الجوار كما هو الحال في الأردن وتركيا ولبنان. وتقدر المنظمات الدولية أن عدد اللاجئين السوريين في تركيا في تزايد مستمر وبخاصة مع كثافة وشدة تصاعد أعمال العنف في الداخل السوري، إذ يقترب العدد من خمسة عشر ألف لاجئ، بينما تشهد الأردن تصاعدا في العدد قد يصل إلى ثمانين ألف لاجئ، بات عددهم مرشحا على الحدود اللبنانية ليصل إلى عشرة آلاف لاجئ، مع العلم أن كل تلك الأعداد هي التي تم تسجيلها رسميا فيما تشير مصادر كثير من المنظمات الإغاثية والإنسانية إلى أن الواقع قد يتجاوز ذلك، وهو في تزايد مستمر. بعيدا عن كل المعادلات السياسية، ودون أدنى ربط لما هو إنساني بما هو سياسي، ومع أن بعض الأوساط السياسية في سوريا تستقبل أي تحرك إغاثي أو إنساني على أنه موقف سياسي وجزء من حركة (المؤامرة) إلا أن الواقع يفرض علينا عدم الالتفات لذلك مطلقا، وبإمكاننا المضي في حملة إغاثة إنسانية واسعة. النازحون السوريون هم الآن ضمن حدود دول مستقلة وقائمة على حماية حدودها، مما يعني انتفاء أي علاقة للتحركات الإغاثية بالأراضي السورية، وبخاصة مع وجود عمليات إغاثة قائمة في كل من لبنان وتركيا والأردن تتفاوت بين كونها حكومية أو شعبية أو من منظمات دولية إلا أنها لا تزال بحاجة مستمرة للدعم والمساندة، وما تنقله التقارير الإخبارية عن الواقع المعيشي للنازحين تؤكد صعوبة الوضع وحاجته للدعم. لقد قام السفير السعودي في لبنان بخطوة موفقة في هذا الصدد منطلقا في ذلك من توجيهات خادم الحرمين الشريفين، ونقلت الصحف أن السفير السعودي قام بزيارة إلى رئيس الحكومة اللبنانية ليعرض عليه الرغبة السعودية في العمل على دعم وإعانة اللاجئين السوريين على الحدود اللبنانية. هذه الخطوة تؤكد جليا أن المملكة تفرق وبشكل واضح بين مسارات العمل الدبلوماسي والتعامل السياسي مع الأزمة في سوريا، وبين الجوانب الإنسانية التي لا يمكن السكوت عما وصلت إليه من تردي وتدهور على مختلف المستويات، بل إن عمليات الإغاثة الموجهة للنازحين ستتم – وكما أوضح السفير السعودي في لبنان – بالتنسيق مع الهلال الأحمر اللبناني، وهو الاتجاه الذي ينبغي أن نحرص على ترسيخه في التعامل مع هذه القضية الإنسانية. وسيتبع في الغالب ذلك التحرك تحركات مماثلة في كل من تركيا والأردن، وبالتنسيق مع المؤسسات الإغاثية والإنسانية في تلك الدول. سيأتي من يحاول أن يلبس مواقفنا الإنسانية ثوبا سياسيا، لكن ثوبنا الإنساني الذي يعرفه العالم لن يتضرر أمام تلك الدعايات، بل يجب ألا يثنينا ذلك عن المضي قدما في حملات دعم موجهة لإخواننا السوريين النازحين.