أثار عنوان ملتقى «المرأة والنص» الذي أقامه كرسي صحيفة الجزيرة للدراسات اللغوية الحديثة في جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن بالتعاون مع نادي الرياض الأدبي، أول ما أثار، سؤال المرأة في علاقتها بالنص، عبر مسافة الالتباس بين تخصيص نصِّها أو تخصيصها هي في النص. فهل المرأة في العنوان هي المرأة الكاتبة أم المكتوب عنها؟ حين نقول إنها الكاتبة فما الداعي لتخصيصها؟ هل كتابة المرأة تختلف عن كتابة الرجل؟ هل تتجنَّس الكتابة بجنس من يكتبها؟ ألا يعد تخصيص الكتابة التي تكتبها المرأة من دون الكتابة التي يكتبها الرجل نوعاً من التمييز ضد المرأة وليس لها؟ لنجرِّب باستبدال الرجل بالمرأة، ألا يكون غير طبعي أن نقول كتابة الرجل؟ مثلما لا يكون مألوفاً أن نقول مسجد للرجال أو مدرسة للرجال... إلخ!. لن تصف المرأة كتابتها بأنها كتابة امرأة، إلا إذا ما شعرت بنوع من الفصام والانفصال في شخصيتها. كتابة المرأة –إذن- وصف يطلقه الرجل بوصفه ثقافة ذكورية، المرأة في الثقافة الذكورية فرع عن أصلية الرجل وأوَّليته، المرأة –هكذا- طارئة في الكتابة، لهذا تُخَصَّص. أما حين نقول إن المرأة في عنوان الملتقى هي المرأة المكتوب عنها، فإن الرجل والمرأة يكتبان عن المرأة ولا تستقل المرأة وحدها بالكتابة عن المرأة. وهنا تأتي الفكرة النسوية Feminism التي تصبح المرأة فيها مظلمة إنسانية وثقافية، ويبدو القمع والاستبداد والعنف من المنظور النسوي خصائص ذكورية، في حين تنحاز ثقافة الأنوثة إلى التسامح والمساواة والعدالة والحرية والتجديد والخصوبة والوداعة الإنسانية... إلخ. لكن ذلك لا يعني أن الكتابة عن المرأة بإطلاق هي كتابة بالمعنى النسوي، فالكثير من الكتابة عن المرأة، حتى ما تكتبه المرأة نفسها، هو كتابة ذكورية تعيد إنتاج القيم الإيجابية في الثقافة المنحازة إلى الرجل (العقلانية الشجاعة الإبداع) في مقابل القيم السلبية -من تلك الوجهة الثقافية- العالقة أبداً بالمرأة (العاطفية الرضوخ التردد). أصبحت الصفات المنسوبة إلى المرأة أو إلى الرجل والمخصصة لهما إيجاباً أو سلباً فعلاً ثقافياً وليس حقيقة جندرية بالمعنى البيولوجي والطبيعي. وبموجب هذه الثقافة التي لا تتساوى المرأة والرجل في الحضور فيها وفعلها، مثلما لا تتساوى المرأة والرجل في الأوضاع المادية التي يعيشانها في المجتمع، والعوائق التي تعترضهما، يصبح مبرَّراً تماماً، من وجهة معرفية، دراسة النص الذي تكتبه امرأة بتخصيص نسبته الجندرية -وليس العلَميَّة- إليها وعلاقتها به، وذلك من دون أن تقترف قراءة بهذا الحسبان تمييزاً ضد المرأة لا تقترفه أوضاعها في المجتمع والثقافة. وبالطبع فإن لدينا، منذ العصور القديمة، ثروة من الدراسات والآراء التي قصدت النصوص التي كتبها نساء، تنتهي إلى عديد من الخصائص في الموضوعات والرؤى والأشكال، تختلف من حيث الكمية أو النوعية عما يشيع في نصوص الرجال. فالمرأة لم تحضر -مثلاً- في الإبداع الأدبي ولا في النقد والفلسفة والتأليف قديماً بالقدر الذي حضر به الرجل، وما يُنْسَب إلى نساء من الشعر في الثقافة العربية يوضح بكميته وموضوعاته وما يتضمنه من رؤى خضوعه لقيود لم يخضع لها شعر الرجل. وعلى الرغم من تبدل علاقة المرأة بإنتاج الأدب والفكر والمعرفة حديثاً، فإن أكثر ما زاحمت فيه المرأة الرجل هو الكتابة السردية، فليست الناقدات أو المفكرات والفيلسوفات، وليست الشاعرات في المستوى العددي للرجال في هذه الأبواب. وقد بدت الشكوى النسائية، بين حين وآخر، في المجاملة لما تكتبه المرأة والتعاطف معها (يمكن هنا الرجوع إلى تحقيق صحفي أعدته منال العويبيل بشأن احتفاء الرجل المبالغ فيه بما تكتبه المرأة من إبداع أو بحوث، وذلك بضرب الأمثلة واستنطاق الآراء المختلفة حول المسألة في جريدة اليوم 3/4/2006م) كما بدا في أكثر من قراءة تشاركٌ في وصف ما تكتبه بصفات السطحية والثرثرة النسائية والبوح المجاني والمرافعة عن قضاياها بلغة مباشرة تفقدها الموضوعية الفنية الأدبية، إضافة إلى شيوع التجزيء في الروايات النسائية والتشابه في قضاياها ولغتها ومراجعها الثقافية (وأمثلة ذلك تتجلى في قراءات لنصوص المرأة السعودية تحديداً عند: بسمة عروس، وحسن النعمي، وخالد الرفاعي، وعلي الشدوي، ومحمد العباس وغيرهم). الدلالة لذلك كله من وجهة المرأة هي دلالة تأكيد على مشروعية أن تغضب لأنوثتها ولفقدها لذاتها. ولوج المرأة إلى ميدان الإبداع بإصرار وفي سنوات العقد الأخير بما يفوق -أحياناً- عدد إصدارات الرجل، يوازي غضبتها من المجاملة لما تكتب ونفورها من الحفاوة الذكورية بها، وذلك في المؤدَّى الذي يلفتنا إلى اكتشافها منفذ الكتابة لممارسة إنسانيتها وتحقيق ذاتها، تلك الكتابة التي ما يزال الرجل يعتقد أنه هو من يمنحها المشروعية والقيمة والوجود. وجوه الضعف فيما تكتبه المرأة هو ناتج مسطرة تقويم من خارج القيمة الوظيفية التي تعتقدها لكتابتها والتي توجِّهها إليها. لماذا كان الرجل بمنجاة من مسطرة التقويم تلك؟! أليس في رواية الرجل السعودي ما في رواية المرأة من خطابية ومباشرة وسطحية وبوح مجاني وتكرار وتشابه... إلخ؟!. لماذا اقتضت كتابة المرأة كل هذا القدر من التقويم؟! لماذا اتجه التقويم إلى إجمال السلب وتعميمه على ما تكتب؟! ما مرجعية أحكام القيمة تلك؟! هل يصح أن نجرد صدقية تلك الأحكام القيمية على ما تكتبه المرأة مطلقاً أم نحصره فيما تكتبه المرأة السعودية؟ أليس التسليم بعمومها النسوي إدانة للرجل لا للمرأة؟! هل قصدت تلك الأحكام الانتصار للمرأة أم هزيمتها؟! انتهى الملتقى إلى نتيجة مهمة، على نحو ما عبَّرت عن ذلك التوصيات. وكانت هذه النتيجة في النص على «ضرورة الاهتمام بإبداع المرأة ونصوصها وثقافتها؛ لأن هذا الاهتمام مؤشر على الاهتمام بمعانٍ أعمق في حياة المجتمع وتقدمه واستقراره». كما كانت في الدعوة إلى التوسع في الدراسات عن المرأة، و تعزيز حضورها على المستوى الإداري والعلمي والثقافي في مختلف المؤسسات، ودعوتها إلى استثمار الفرص المتاحة. وقد أضافت التوصيات اقتراح جائزة وطنية للدراسات المتخصصة في المرأة، وأن يغدو هذا الملتقى دورياً كل سنتين. لكن لست أدري كيف جاءت عبارة أخيرة في التوصيات المعلنة شاذة عن نسقها في التأكيد المتكرر على الاهتمام بالمرأة، والعبارة معطوفة على التوصية التي تقرر «ضرورة تكرار عقد الملتقى كل سنتين» بالقول: «وليس من الضروري أن يكون محوره حول المرأة». لماذا؟ أليست المنطقية التي تبرِّر التوصية بتكرار الملتقى وتوجبُها هي ناتج التوصيات التي تقدمت على هذه التوصية لأنها كلها في النص على أهمية موضوع المرأة واتساعه؟! إن تحويل هذا الملتقى إلى ملتقى دوري، لن يكتسب أي ميزة فارقة عن غيره من الملتقيات والندوات والمؤتمرات إلا بتخصيص موضوعه عن المرأة. وهو تخصيص أكثر جدارة واستحقاقاً من منظور العلاقة مع جامعة الأميرة نورة للبنات. وأعتقد أن هذا الملتقى سيزداد ألقاً وأهمية واتساعاً إذا ما خُصِّص عن المرأة من وجهة الدراسات الثقافية. وذلك لأنها حقل معرفي يقوم في المنطقة البينية للعلوم الإنسانية، فهي دراسات تقوم في علم الاجتماع بقدر ما تقوم في الدراسات النقدية الأدبية واللسانيات، وهي مساحة مشرعة على دراسات الفلكلور والعادات والتقاليد والتراث والإعلام والتاريخ مثلما هي حقل راسخ الجذور في المنتجات الإبداعية الأدبية والفنية. لم أسمع قبل هذا الملتقى بكرسي الجزيرة في جامعة الأميرة نورة، وهذا –بالبداهة- لا يعيب الكرسي، ولكنه يزكِّي الملتقى ويضاعف من أهميته وقيمته في فعاليات الكرسي، خصوصاً وقد خرج الكرسي به إلى الفضاء الثقافي العام مجاوزاً حيِّز الهم الأكاديمي والبحثي المتخصص، وهذه خطوة نباركها ونثمنها عالياً لكل القائمين عليها، وفي مقدمتهم الدكتورة نوال بنت إبراهيم الحلوة أستاذة كرسي الجزيرة بجامعة الأميرة نورة، والصديق الدكتور عبد الله الوشمي رئيس نادي الرياض الأدبي، والدكتورة ابتسام التميمي والأستاذ عبد الهادي القرني من اللجنة التحضيرية للملتقى، وزملائهم وزميلاتهم في اللجان المختلفة.