لن أتطرق إلى قضية قيادة المرأة للسيارة، وما تبعها من تداعيات ودراسات، لكني أردت أن أشارككم ببعض الحوارات التي دارت بيني وبين سائقي والذي أراه صباح كل يوم مع توقيت المدارس ويأخذني إلى مواعيدي الطبية أو العائلية أو الاجتماعية وما إلى ذلك. عند بداية توظيفه في العائلة، حكا لي عن قصة كفيله السابق والذي بعد أن أكمل معه سنتين شاقة من العمل وزاد عليها ستة أشهر لم يعطه ثمن تذكرة الرجوع، وفي هذه الفترة أيضًا توفيّت أمه فجاء يبكي لكفيله أن يسافر، لكن الكفيل لم يرض أن يعطيه ثمن التذكرة. بعد هذا كله تركه السائق برضا من كفيله على حد قوله على أن يعمل عند كفيل آخر وينقل الكفالة له. حاول زوجي إقناع كفيله السابق بأنه على استعداد لنقل كفالته ولكنه رفض رفضا شديدا. وفي هذه الأثناء رفع السائق دعوى ضد كفيله السابق في القنصلية الفلبينية بأنه لم يلتزم بدفع قيمة تذكرة المغادرة، وعندما اتصلت القنصلية على كفيله القديم, اتهم الكفيل السائق بأنه هرب منه قبل انتهاء مدة السنتين. وأخذت هذه القضية فترة من الزمن حتى أن القنصلية أعطت السائق ورقة بحالته تعترف بتقصير الكفيل وتعطيه بمثابة الإذن بأن يعمل مع غيره حتى لا يحسب عليه أنه هارب. وأذكر جيدا عندما قال لي مرة بأنه يعتقد أن فقط 10% من السعوديين هم "طيبون". وأجزم أن هذه العبارة قد تستفز الكثيرين، لكني أرى أنه يجب أن نعرف رأي كثير من العمالة فينا، وبما أن حبة أو حبتين تفاح فاسد في كرتون قد تفسد بقية التفاح، يظل هذا رأيه ورأي الكثيرين من العمالة الأجنبية عن المجتمع السعودي. وقصص ظلم العمالة بداية من عدم دفع رواتبهم وتشغيلهم لساعات كثيرة دون راحة وتصل إلى حالات عنف وتعذيب أدت إلى إغلاق باب التأشيرات في بعض الأحيان. حوار آخر دار بيني وبين سائقي ذات جمعة عندما كان يريد أن يذهب إلى المدرسة الإسلامية للجاليات. فسألته بماذا تؤمن؟ فرد أنه مسيحي. فقلت له أننا كمسلمين نؤمن بعيسى وأنه رُفع إلى السماء وسيعود إلى هذه الدنيا ليقول للناس أنه نبي الله وأن الله لم يلد ولم يولد فرد سائقي بأنه يؤمن بأن الله واحد وأن عيسى نبي الله وأن محمدًا عليه الصلاة والسلام خاتم الأنبياء. قلت له إذن أنت مسلم، فرد أنه مسيحي وأراد أن يكمل ولكني وصلت إلى وجهتي فلم نستطع تكملة الحوار. وبغض النظر عن هذه الحوارات والأديان المختلفة، فقد تركت هذه العمالة أوطانهم وأهاليهم وعاشوا حرقة البعد والفراق في سبيل لقمة العيش وسعوا للرزق في هذا البلد الأمين. وقد روى عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال اللهم أحيني مسكينًا وأمتني مسكينًا واحشرني في زمرة المساكين يوم القيامة فقالت عائشة لِمَ يا رسول الله؟ قال إنهم يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بأربعين خريفًا، يا عائشة لا تردي مسكينًا ولو بشق تمرة، يا عائشة حبي المساكين وقربيهم فإن الله يقربك يوم القيامة. ليتنا نعطي العمالة حقوقهم ونتعامل مع عمالتنا المنزلية كبشر مثلنا، ونتذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا أن يحشر مع المساكين. وأن أجر الإحسان والرحمة لا تكون للعامل المسلم فقط بل لأي مسكين بل ربما كانت سببًا لاعتناقه الإسلام. اللهم إني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين.