أطلق حمزة كشغري تغريدة وأُسمّيها تجريفة، لأنها أيقظتنا على عنف لفظي وفكري غير منطقي وُجِّه للجميع بلا هوادة، بحيث ساوت بين من علَّق ومن كتب أو صمت، وكأنها بركان ينمو في الخفاء، ووجد منفذاً ليغمر الكل بأوحاله. كنا نشعر بإرهاصاته وإيماءاته، وكثير من التصريحات والتهم الجاهزة للخروج في المناسبات التي تختلف فيها وحولها الآراء بين الناس، وما أكثرها مؤخراً، لأننا أصبحنا نعيش وفق معادلة حادة إما (مع أو ضد)، وإن خالفتهم الرأي فقد دخلت خانة أعداء الأمة الذين يجب أن يتجرّعوا القسوة والعقاب بكل أشكاله، ابتداءً من السجن إلى السيف الذي ينتظر في مخيلتهم. وحق لهم أن يقصوك ويقذفوك بمناجل دامية تشكك في وطنيتك، فأنت تحتضن أجندات التغريب وتتبناها، وأنت من زوار الملتقيات الثقافية التي يغلفها الخزي والعار. وقد تتلقى سيلاً من الألفاظ الخادشة التي يندى لها الجبين ممن قد لا يعرفك، بل نقل ونشر كل ذلك على لسان غيره. أما التشكيك في العقيدة والتكفير وهو رأس الحربة التي يوجهها هؤلاء لمخالفيهم ببساطة وهم يعلمون مدى حرمانية تكفير المسلم فهو ليس بجديد فقد أطلق كثيراً دون أن يرف جفن لأحد. ولكن في قضية حمزة كشغري كان التكفير هذا أكثر ما فعلوه وتداولوه بحق الآخرين، فقد اعتبر الكثير منهم أن تجريفة حمزة ما هي إلا مؤشر قوي على تيار إلحادي كشفه حمزة بقصد أو بسذاجة، فأطلقوا مقولة (كلهم حمزة)، وتساءل آخرون في موقع شهير معروف بتخصصه في هذا النوع من النضال الاجتماعي القائم على التشهير والقذف قائلاً: عرفنا حمزة عرفناه.. فماذا عن البقية..؟! كما تحدث أحدهم على استحياء عن التيارات أو الأسماء والمناسبات التي مهدت لنمو مثل هذه الأفكار التي راودت حمزة رغم أن الكاتب يتصدر معظمها باعتباره تنويري خفي، ولم تتردد إحدى كويتبات المواقع عن التأكيد في ثنايا طرحها بأن محاكمة كشغري الفردية لابد أن تمتد للتيار الذي وجهه، وأنشطة الوزارة التي تغذيه، متناسية أننا في دولة يحكمها الشرع ثم القانون، وأي نشاطات لابد أن تكون تحت هذه المظلة وتدقيقها، قبل أن يطلب إليها أحد. هذا غيض من فيض مما قيل وسيُقال في هذه القضية أو سواها مما سبق أو سيأتي نظراً لتغلغل التربص في المجتمع حتى أصبح حربة مسمومة تزن الناس والمواقف وتحولنا إلى جلادين لأنفسنا ومجتمعنا متنمرين لأقل هفواته، نكرس عيوبه ونضع عليها آلاف المجاهر ونحول اختلافاتنا إلى ساحات للمعارك الضارية. لا أحد يوافق على تعدي حمزة على الدين، وخطأه جسيم مهما كانت الأسباب، ولكنه أمر فردي حدث ويحدث في كل زمان ومكان، وللمحاكم وولي الأمر الفصل فيه، وقد بادرت للوهلة الأولى.. ولكننا لا نحتاج مزيداً من الوقود، بل إلى تعمق شمولي وحوار حضاري واجتماعي، يُقرِّب بين وجهات النظر في ظل سماحة دين الوسطية العظيم، بعيداً عن التشنجات النفعية وهذا دور الجميع، ثم في ظل وجود قوانين صارمة تُجرِّم التكفير والتجريح والاتهامات، وتغذية الوجدان العام تجاه قضايا بذاتها أو أشخاص بعينهم.