يذكرني تويتر وفيس بوك ببعض من يشدون الرحال لخارج المملكة حيث تقلع الطائرة والنساء محجبات وعندما تقترب من الهبوط خصوصاً في مطارات أوروبا وأمريكا تجد أن اللون الأسود قد تحول إلى عدة ألوان زاهية وأن الوجوه قد كشفت وكأن الستر خاص بالداخل سواء أكان حجاباً أو نقاباً؛ وفق ما يسمح به الدين، ومجال الاجتهاد فيه واسع. أما الرجال فتجد صورا أخرى من التناقض بين من تتوشح زوجته السواد كاملاً بينما يلبس هو فوق الركبة مسبلا شعر صدره وهو الذي لا يخرج عن عتبة بيته إلا بلبسه السعودي الكامل. لا أتحدث هنا عن حلال وحرام فلست وصياً على سلوك الناس ولكنه بعض التناقض الذي نلحظه وهو أخف ما يمكن رصده هنا بعيداً عن ممارسات أخرى من الأفضل سترها. وجه الشبه مع تويتر خصوصاً أن البعض بمجرد أن يمتطي صهوة لوحة المفاتيح على تويتر يكتب ما شاء وكأنه في عالم آخر ضارباً بعرض الحائط الثوابت الدينية وحريات الناس الفردية، وخصوصياتهم، وسمعتهم فيغرد كيفما شاء دون أن يتنبه إلى أن حريته في كل دساتير الدنيا وقوانينها تتوقف عند حدود حرية الآخرين. من حقك أن تفكر بما تشاء، وأن تظن بمن تشاء ما تريد، وأن تكره وتحب ولكن ليس من حقك أن تصدم المجتمع في دينه وثوابته بحجة حرية التعبير، وليس من حقك أن تسرح وتمرح في أعراض الناس بدون دليل، فأنت لست قاضياً ولا مدعياً عاماً، ومن حق الآخرين أن يقاضوك وأن يحاسبوك لأن الكلمة أكثر مضاء في فتكها بسمعة الناس من السلاح، كما أن التعدي على الدين يجرح مشاعر الآخرين، وإذا افترضنا أن الكاتب غير مؤمن بأي من الثوابت فعليه أن يحترم ما يؤمن به غيره. قامت الدنيا ولم تقعد حتى الآن على الرسوم المسيئة التي تعرضت لنبينا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، وفي سبيل التعايش والحوار مع غير المسلمين شجبنا واستنكرنا ثم تركنا الباب موارباً ببعض العذر على أنهم يجهلون مكانة الرسول صلى الله عليه وسلم عند المسلمين. ولكن ليس هناك أشد وقعاً على النفس من أن يأتي العدوان من مسلم ومن المملكة تحديداً. هذا قدرنا أن نكون في خير بقاع الأرض وعلينا تحمل هذه المسؤولية ومن لا يحتمل ذلك طواعية فعليه أن يجبر على ذلك لأن سمعة بلادنا يكوّنها مواطنوها وعندما يتفشى هذا التعدي على المقدسات فإن ذلك وبكل أسف ينعكس على الصورة العامة لبلادنا. تويتر ليس فضاء له حصانة من أي نوع كان، وكل كاتب يجب أن يتحمل مسؤولية ما يكتب، الأمر ليس محاكم تفتيش، ولكنه محافظة على حرية الآخرين في الاعتقاد وصون مقدساتهم وثوابتهم الدينية، والأمر هنا ليس فيما يمكن الاجتهاد فيه، وهو مجال واسع ولا يحاسب أحد على اجتهاده؛ مع أن بعض المجتهدين في الدين لا يعرف أركان الإيمان، ومع ذلك لا نطالب لا بمحاكمتهم ولا بعقابهم، وإنما نتحاور معهم حسب فهمنا؛ فإن قبلوا وإلا فليتحملوا وزر ما يكتبون، وربنا وربهم الله. لكن التعدي على الذات الإلهية وعلى رسولنا صلى الله عليه وسلم وعلى ما ثبت من الدين بالضرورة هو عدوان يجب أن يوقف مرتكبه عند حده. ما يصدمنا بين الفينة والأخرى وما نتوقعه مستقبلا يدل على انفصام كبير بين الشباب والأصول والثوابت، وهو أمر لابد من دراسته دراسة علمية في سياقه الاجتماعي والثقافي وعدم إهماله على أنه ظواهر طبيعية، ذلك أن أثره التراكمي يذهب كلية بما عرف عن هذه البلاد من محافظة على ثوابتها وخدمتها للحرمين الشريفين وصفاء عقيدة أبنائها والشرف الذي اختصهم الله به بالانتماء إلى هذه البلاد المقدسة. لا يجوز لا شرعاً ولا منطقاً أن يترك لكل من هبّ ودبّ النيل من ثوابتنا تحت أي مبرر كان.