لم يبق أحد خلال اليومين الماضيين إلا وتابع ظاهرة الاحتساب على أبواب الجنادرية، حيث تجمّع مجموعة ممن يصفون أنفسهم ب (المحتسبين) يطالبون بالدخول لمناصحة الناس ومنعهم من ممارسة (الموبقات) وتجنب الوقوع في المزالق. وقد حاولت أن أفهم هذه المزالق وهذه الموبقات لكنني لم أفلح في ذلك. كل ما رأيت، مما بث مكتوبا أو مصورا، عددا كبيرا من الأسر السعودية، المسلمة بطبيعة الحال، تتشارك فرحة ومتعة التعرف على تاريخ وتراث أجدادها. وهذه هي وظيفة المهرجان الوطني للتراث والثقافة منذ سنته الأولى، فما الذي تغير؟ أو ما الذي دفع بمجموعة متبرعين أن يُصعدوا مسألة (الارتكابات) غير الشرعية إلى هذا الحد، إلى درجة التنادي بإزالة المنكر من أرض الحرمين. كون امرأتين أو ثلاث ارتفعت أيديهن تفاعلا مع أداء إحدى الفرق الشعبية فإن ذلك لا يعني ارتكاب منكر بأي حال من الأحوال، خاصة وأن هؤلاء النساء كن يحضرن الفعاليات مع أزواجهن ومحارمهن ولم يأتين من الشارع أو من مشارب لا نعلمها. ثم ما دخل الجنارية كمهرجان بالقبض على شخص أو مجموعة أشخاص خالفوا النظام. أرض الجنادريه مثل كل أرض تحمل الصالح والطالح والمحسن والمسيء، ولم يدع منظموها في أي وقت أنها أرض محرمة على المخالفات، لكن التعميم هو المصيبة التي يقع فيها بعض الناس والتي تعطيهم مبررات لما يقولون أو يفعلون أو حتى ما يحاولون أن يلصقوه من تهم بهذه الفعالية أو تلك، مثلما فعلوا تماما في معارض الكتاب أو مؤتمر المثقفين الثاني. لقد قلت في تعليق على إحدى رسائل المتبرعين بالحسبة إن الجنادرية جهاز تنفس هائل لمدينة الرياض واغتيال انفتاحها على الحياة سيحرم المدينة وأهلها من هذا الجهاز الضروري لحياتهم.