كنت في أحد الأعوام على الطائرة السيرلانكية المتوجهة إلى جزر المالديف، برفقة معالي الشيخ محمد بن ناصر العبودي الأمين العام المساعد لرابطة العالم الإسلامي، ومعنا زميلنا في الرابطة الأخ على البويدي مدير إدارة التعاون، فأعطاني معاليه كتابا سبق له إصداره عن رحلته السابقة إلى تلك الجزر الحالمة لأخذ فكرة عنها قبل الوصول إليها، وكان الغرض من الرحلة المشاركة في تقديم التهاني للرئيس المالديفي السابق مأمون عبدالقيوم الذي فاز في حينه بولاية خامسة، وتلقت الرابطة دعوة للمشاركة في حفل التجديد له، فلما تصفحت الكتاب وجدت الشيخ العبودي قد نظم قصيدة في جزر المالديف مطلعها: ملديف يا حلم الزمان الغافي يادرة الغواص في الأصداف فحضرتني القريحة وانشغلت بمعارضة قصيدة العبودي عن الطعام السيرلانكي الشهي الحار، وكان من بين ما نظمته من أبيات على الروي والوزن نفسه هذه الأبيات: ملديف حقا ذات ظل وارف وجزائر مخضرة ولطاف حسناء جللها جمال قارة أبدته للزوار ليس بخافي تعبت فارخت للخضم ذراعها وتمددت في ثوب عطر ضافي ثم وجهت أبياتي الى الشعب المالديفي فقلت: يا أيها الشعب الكريم تحية من أرض مكة موطن الأحناف الله أطعمنا وأمن خوفنا نزلت بذلك سورة الإيلاف واختارنا واختاركم من أمة حملت إلى الناس الكتاب الشافي ثم ختمت القصيدة بالأبيات التالية: ملديف يا جزر الجمال تحية مزدانة بمودة وعفاف صدق ابن ناصر إذ تغنى مرة بكدرة الغواص في الأصداف ومضى فألف عنك سفرا كاملا في غاية الإبداع والإنصاف وتذكري الشيخ العبودي الذي حياك يوما بالشعور الدافي تلك بعض الذكريات الجميلة التي كانت لي مع الشيخ العبودي، جالت في خاطري وأنا أودعه بعد أن ترجل عن صهوة منصبه كأمين عام مساعد للرابطة الذي تقلده نحو ثلاثين عاما كان لنا فيه نعم الموجه والقائد والخبير والأستاذ القدير، وقد عرف معاليه بأنه جم الأدب، شديد التواضع، بسيط في تعامله، سهل في تناوله للأمور، وكنا نعده مرجعا أساسيا في شؤون العالم الإسلامي ودول الأقليات التي ألف عنها نحو مائة وخمسين كتابا من خلال رحلاته التي فاقت رحلات ابن بطوطة بما سخر للشيخ في هذا العصر من وسائل مواصلات لم تكن متوفرة في عهد ابن بطوطة، وعندما يتحدث الشيخ العبودي عن الدول والأماكن التي زارها على مدى ستين عاما من عمره الذي يناهز حاليا تسعين عاما، فإن ذاكرته الحديدية- ما شاء الله تعالى- تمكنه من ذكر تفاصيل التفاصيل بدقة متناهية حتى لو كان بينه وبين ما يتذكره فارق زمني بعشرات السنوات. ولمعاليه مؤلفات عديدة غير أدب الرحلات بعضها يقع في عدة مجلدات نال عليها جوائز من الدولة وعلى مستوى الخليج، وكان الأمناء العامون للرابطة الذين عمل معهم، وأخص بالذكر الدكاترة عبدالله نصيف وأحمد محمد علي وعبدالله العبيد، يحفظون للشيخ مقامه وعلمه ومكانته، فكانوا يزورونه في مكتبه بالرابطة ولايطلبون منه لقاءهم في مكاتبهم مع أنه الرجل الثاني من بعدهم، وإني إذ أودع شيخي وأستاذي العبودي بهذه الكلمات التي لن أوفيه بها حقه أو جزءا منه، أؤكد أن تاريخ الرجال في بلادنا سوف يسجل اسمه في المكان اللائق به وبعطائه، متمنيا لمعاليه حياة طيبة راضية مرضية.