عدم وجود قانون واضح ومفصل يمنع ويجرم التعرض للرموز الدينية، يجعل الخلط بين الخطوط الخضراء والبرتقالية والحمراء في المناخ الثقافي غير مستبعد، خاصة في زمن ولوج الشباب عالم الكتابة غير المفحوصة والمدققة في مناخ عولمة الثقافة فعلاً سقط الشاب اليافع حمزة كشغري بتغريداته غير اللائقة بحق الذاتين الإلهية الجليلة والنبوية المطهرة، وهو لم يدر أو يثمن مدى دوي هذا السقوط، وهذا قد يكون دلالة على عدم وعيه أو إدراكه لنتائج ما كان يغرد به من مفردات، جذبها له رنينها أكثر من مضمونها. الشاب حمزة كما يقال من خريجي حلقات تحفيظ القرآن الكريم وتربى منذ نعومة أظفاره التي ما تزال نعومتها تلمع فوق أصابعه الغضة في محاضنها الشرعية واللغوية والبلاغية. كما أن قراءته الأدبية والفكرية الفردية النهمة، كما يقال بعد ذلك، قد جعلته يحلق بالتفكير والتساؤل والخوض بالمسائل الشكية واللا أدرية باكراً، بدون أجنحة كثيفة تمكنه من الهبوط على الأرض التي حلق منها بسلام. ولذلك أصبح شاعراً وكاتباً فسحت له مؤسسات النشر والطباعة أبوابها وهو في مقتبل العمر، حيث تتراقص الكلمات والمفردات بين أصابعه، كما كانت تتراقص أقلام التلوين بين أصابعه أيام طفولته الأولى وهو يهيم طرباً بها من دون وعي منه لما ستسببه له من تلويث لملابسه الصغيرة وتغضب أهله عليه. ولعل خلفيته الروحانية المتعلقة بالتحليق بملكوت السموات والأرض والعاشقة لمناجاة الذوات الغائبة والحاضرة، مهدت له الطريق للتحليق عالياً بدون التمكن من أدوات الهبوط على الأرض بسلام. ولعل صوفيته اللغوية المتعالية وتمكنه الثري من المفردات والجمل البديعة قد خدمته كثيرا في مجال موهبته الأدبية ومكنته من إبراز موهبته الشعرية باكراً. وهنا لعله لم يفرق بين أساليب صياغة المفردات والجمل التي تستخدم في الحقل الأدبي وتلك المستخدمة في حقول علوم الدين والفكر والخطاب بشكل عام. فبالنصوص الأدبية والفنية تتساوى قيمة أجراس الكلمات والمفردات مع المضمون، وقد ترفع قيمة النص ولو كان مضمونه أقل إبداعا وروعة من موسيقى كلماته ومفرداته. لعل الشاب حمزة كان ملهماً يتدفق الإلهام إليه من حيث لا يستطيع كبته أو كتمه. الإلهام هو نوع من التحليق للقمة ولكن بشرط أن يسبق ذلك جهد وعناء ومراس وتتبعه أرضية خصبة ملمة ببواطن وظواهر المفردات والجمل ورمزيتها وإيماءاتها البديعية وهذه من مقدمات التمكن من الصنعة. والإلهام وحده، مع عدم التمكن من أسرار الصنعة، قد يصبح صعودا سريعا للهاوية. حيث التفريق بين الذاتي والموضوعي مقدمة لا غنى عنها لمن يمتهن الكتابة، بشكل عام والكتابة التي تتناول الرموز المقدسة، بشكل خاص، كما أن فهم الفضاء الثقافي للكاتب مهم بالنسبة له وذلك بإدراك ما يستوعبه وما لا يستوعبه ومن ثم فرز ما يقبل طرحه مما لا يقبل. فهنالك في كل فضاء ثقافي خطوط حمراء، مهما علا سقف الحرية فيه، وحدود المبدع هي هذه الخطوط الحمراء. وإشكالية الشباب المبتدئين بالكتابة، أنهم يكونون مولعين بقرع أجراس كلماتهم وموسيقى مفرداتهم أكثر من ولعهم بمضامين ما تعنيه، بشكل يتعب من يناقشهم فيها، حيث يغضب أحدهم إذا طالبته بحذف هذه المفردات والتركيز على المضمون وكأنه طفل تسحب منه أبهى ألعابه المفضلة لديه. كما أن ما زاد الطين بلة، عند بعض الشباب والشابات، تحول معظمهم إلى كتاب وكاتبات، في الفيس بوك والتويتر وهذا من حقهم، ولكن من حقنا كذلك أن نتوقع أي شيء يصدر منهم في ظل التنافس المحموم بينهم لجذب أكثر زوار لمواقعهم الفيس بوكية وحساباتهم التويترية باستعراض ملكاتهم التعبيرية والبلاغية. كما أن النقلة السريعة التي داهمتنا على حين غرة منا، في حياتنا المدنية والتقنية، التي تشاءمنا منها نحن ولكن تعامل معها شبابنا وشاباتنا بكل حب وأريحية، أدت إلى خلق فجوة بيننا وبينهم، لم يسبق لها مثيل في تاريخ الفجوات بين الأجيال في تاريخنا. مما جعلنا نعيش وإياهم في عالمين شبه غريبين عن بعض، إن لم نقل متنافرين من بعض، برغم كوننا نعيش في بيوت واحدة. التقنية المدنية الحديثة غير محايدة في ذاتها، كما نتوقع؛ فقد أنفقت مجتمعات التقنية الثروات والجهود الطائلة من أجل اختراع كل جديد فيها وتطويرها والتسويق لها، من أجل تلبية حاجياتها الاقتصادية والنفعية وحتى السياسية منها التي تمثل ثقافاتها بالنسبة لها الإطار الفاعل لها. إذاً فكل تقنية جديدة هي تحمل بين إلكترونياتها الدقيقة غير المرئية بالعين المجردة، ثقافة مخترعيها وتسوق لها. ولذلك فليس من المستغرب أن تتسلل ثقافات مجتمعات صناعة التقنية إلى المجتمعات المستهلكة لها، بدون وسيط (حملات تبشيرية ثقافية). عدم وجود قانون واضح ومفصل يمنع ويجرم التعرض للرموز الدينية، يجعل الخلط بين الخطوط الخضراء والبرتقالية والحمراء في المناخ الثقافي غير مستبعد، وخاصة في زمن ولوج الشباب والشابات عالم الكتابة غير المفحوصة والمدققة، في مناخ عولمة الثقافة. قوانين وأنظمة أي مجتمع تجسد أخلاقه ومن خلالها يتم تكريسها في ثقافته وتصبح جزءا منها. قبل عدة سنوات تقدم أحد أعضاء مجلس الشورى المحترمين للمجلس بمشروع قانون يجرم التطاول على الرموز الدينية، لكل الأديان. وتم رفض هذا المشروع من الغالبية، بحجة أن الإسلام لا يجرم التعرض للرموز الدينية للآخرين. وقتها كتبت مقالا أنتقد فيه موقف مجلس الشورى لعدم قبولهم تبني هذا المشروع الحضاري الذي يحض الإسلام عليه قبل غيره، حيث قال تعالى: "ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله، فيسبوا الله عدوا بغير علم". فلو تم سن مثل هذا القانون الحضاري، قبل ولوج شبابنا وشاباتنا شبكات التواصل الاجتماعي وإدمان الكتابة بها، لكان لديهم الآن وعي بجرم سب الرموز الدينية للآخرين ومن باب أولى بجرم وفداحة التعرض لرموزنا الدينية، ولكن هذا لم يحدث وللأسف الشديد. ما أوردته أعلاه هو قراءة ضمن قراءات حاولت سبر الأسباب الذاتية والموضوعية التي أدت بشاب من شبابنا إلى التطاول غير اللائق على الذاتين الإلهية والنبوية وصعق بها مجتمعنا المتدين وأهله وذويه قبل غيرهم. قد تكون كل الأسباب المباشرة وغير المباشرة، الذاتية منها التي تخص الشاب حمزة والموضوعية التي تخص محيطه الاجتماعي والثقافي والتقني كذلك من أسباب سقوط حمزة في المحظور. السؤال الذي يجب أن يطرح نفسه علينا هو: هل نعتبر حالة حمزة، حالة فردية ولن تتكرر؟ وهذا ما نرجوه ونأمله، أم أن حالته تمثل طرف السكين وبقية النصل قادم إلينا، لا سمح الله؟ الموضوع يحتاج إلى عدة قراءات جادة ومتأنية ومتشعبة ومتعمقة، تتم على أيدي متخصصين ملمين بتخصصاتهم التربوية والنفسية والاجتماعية والثقافية والفكرية والدينية وحتى التقنية منها وبعيدا عن كل التشنجات والمزايدات والتحزبات. نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا تكون بالانتقام والوعيد والتهديد والتعرض بالسب والشتائم والإيذاء النفسي والمعنوي حتى لأهل حمزة وذويه، بلغة إقصائية نتنة. نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم تكون، بحصر الحالة ومحاصرتها، من أجل دراستها وفهمها حتى يتم تقديم الحلول التربوية والثقافية العقلانية والحضارية للتأكد من عدم تكرارها. وتحصين شبابنا وشاباتنا ومجتمعنا بشكل عام من عدم التعرض غير اللائق لرموزنا الدينية المقدسة، الآن وفي المستقبل القريب والبعيد.