لو اطلعت على ردود القراء خلف كل مقالة كتبها واحد من الكتبة من الجنسين، وكانت تدور حول نقد أي وضع من أوضاعنا الاجتماعية، أو الدينية المغلوطة، التي يحاول الكاتب معالجتها، وتسليط الضوء عليها، للتمكن من حلها، فإنك ستجد خلفها مئات الردود من القراء من الجنسين أيضاً يدلون بآرائهم حول القضية على اختلاف ثقافتهم المكتسبة فكراً، أو تلقيناً، ومن هنا تستطيع أن تكتشف الكثير من مستوياتهم الفكرية من خلال ألفاظهم، وأن تفرّق بينها وبين الأخرى التلقينية، فهنالك من يكتب من منطلق فكري واعٍ ومتزن، ومن ينطلق من ذهنية مشوشة لا تملك فكراً، ولا تعرف تأملاً، ولا تعطي لنفسها هذه النعمة التي أنعم الله بها على الإنسان، وهي نعمة العقل الذي يذوب في فلك الفكر الحقيقي الباحث عن الحقيقة، والباحث عن الأصل في المبدأ، والباحث عن المنطق للمظاهر الحياتية المختلفة من زمن إلى آخر، فهم متشبثون بأقوال بعض الوعاظ، والمستطوعين، والمتمشيخين، والمتزمتين، وإن كان ظاهرهم عكس داخلهم بما يجدونه من وجاهة دينية واجتماعية، جلبها لهم هؤلاء الأتباع (بلداء الفكر) الذين لو أمعنوا فكرهم لوجدوا أن هؤلاء مرتزقة منتفعين بتبعيتهم اصطادوهم من خلال ضعف علمهم في الدين، وجهلهم الواضح الذي لا يعرف سوى التأكيد على ما قاله هؤلاء المتصيدون لهم، عن طريق ثقافة دينية وضعية، رسمها هؤلاء المتفيقهون المفوّوهون، عن طريق الأشرطة، والندوات، والفضائيات، وحتى عن طريق المهرجانات الترفيهية التي تنقلب عادة إلى حرب «الفجار» لتنصيب أنفسهم أوصياء على أمة لا إله إلا الله، والملاحظ على هذه الكتابات والمداخلات تلك الاضطرابات النفسية والمتمثلة في «الجبن»، لذا فهم من المستحيل أن يكتبوا أسماءهم الحقيقية، وكذلك الخنوع لأنهم تعودوا على كلمة «نعم»، بدليل استشهاداتهم التي تنطلق من محور قال الشيخ الفلاني، فليس لديهم مرتكز من آية قرآنية، أو من حديث صحيح، فيقولون قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريقة مباشرة نابعة من اطلاعهم، بل نقلاً عن هؤلاء الذين يسمونهم مجازاً بالعلماء، وهم لم يصلوا إلى أدنى مستويات هذا الشرف، لماذا يستشهدون بقول فلان وعلان ولا يطلعون على هذه النصوص التي يتجرأ هؤلاء المتبوعون ويجتزؤون منها ما يناسب أهواءهم وتطلعاتهم، التي تحقق طموحاتهم في قيادة هؤلاء الأتباع ليصبحوا كالقطيع الذي يتبع الراعي وإن ضل الطريق؟ أصبح الدين الإسلامي مطية من لا مطية له للاسترزاق، ووظيفة من لا وظيفة له للاستعباد، استعباد الناس وإشغالهم عن الحياة التي أمر الله بعمارة الأرض فيها عملاً، وإبداعاً، وإنتاجاً، وحضارة يعبرون منها إلى مستويات الأمم المتقدمة التي تقود ولا تقاد، وتنتج ولا تنشغل بالجدل وهدر الحياة وعدم استغلالها فيما يفيد الناس وييسر أمور حياتهم، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول «بشروا ولا تنفروا، ويسروا ولا تعسروا»، لكننا ومع الأسف نتراجع إلى الخلف كلما استمرأنا الوقوف خلف أشخاص لا يقدمون ولا يؤخرون من شأن الإنسان في تعامله مع ربه، فهو الذي يملك الجنة والنار، ولم يعط مفاتيحها لهؤلاء الأدعياء المبهورين بأنفسهم فقط. فرحين بمكانتهم عند هؤلاء الأتباع الذين أوصلوهم لمرتبة القداسة حتى يكادون يضحوا بأنفسهم خلف ذلك الشخص المقدس الذي وإن ارتكب جرماً، أو منكراً، أو كبيرة هبوا مستميتين عنه دفاعاً، قاذفين بإثمه وجريرته على غيره ممن انتقدوه أو جادلوه، أو كذبوه، متناسين أن القداسة لله وحده، وحتى الأنبياء، صلوات الله وسلامه عليهم، لو لم يأتوا العصمة لأخطأوا كسائر البشر، فمتى يفيق هؤلاء؟