يخطئ كل من يعتقد أن الصراع في المنطقة العربية صراع طائفي أو مذهبي. الطائفية مجرد ورقة يتم استخدامها في الصراع لشحن الشعوب وتعبئتها ضد أطراف محددة. الصراع الحقيقي هو صراع مشاريع ومصالح قومية متضاربة بين القوى الدولية والإقيمية الكبرى: الولاياتالمتحدة والغرب عموما إضافة إلى تركيا، وروسيا والصين إضافة إلى إيران من ناحية أخرى. الأميركيون لا يعتنقون المذهب السني لمجرد أنهم يناصبون المشروع الإيراني العداء. والروس لا يعتنقون المذهب الشيعي لمجرد أنهم يتصدون للمشروع التركي. المسألة مسألة تقاطع مصالح من ناحية، وتضارب مصالح من الناحية الأخرى. ويبقى العرب هم الطرف الوحيد الغائب عن الصورة وغير المعني بالأمر. المشكلة الحقيقية تتمثل في انجرار العرب وراء مظاهر الصراع الطائفي المفتعل والذي لا يعود على الأمة إلا بكل ما هو سلبي وسييء. وهو انجرار لم يكن ليتم لولا حالة الغيبوبة التي يعيش في ظلها جزء غير قليل من المواطنين العرب الذين يعتقدون أن الصراع الطائفي والمذهبي هو المحرك لكل ما يجري في المنطقة من أحداث . الإيرانيون ليسوا معنيين بالذود عن الطائفة الشيعية والدفاع عن مصالحها في العالمين العربي والإسلامي، إلا بالقدر الذي يخدم مشروعهم القومي الذي يهدف إلى انتزاع الزعامة. والأتراك لا ينهاضون المشروع الإيراني من منطلق الذود عن السنة والدفاع عن مصالحهم في المنطقة، وإنما من منطلق مزاحمة الإيرانيين على احتلال موقع الزعامة واكتساب المزيد من مناطق النفوذ. توظيف العامل الطائفي لا يهدف فقط إلى حشد المزيد من الأنصار والمتعاطفين مع أحد المحورين المتنافسين، وإنما يهدف في المقام الأول إلى تشويش الصورة وإصابة المتابعين بضبابية الرؤية إن لم يكن بالعمى. التنوع المذهبي ليس جديداً على المنطقة، ووجود الشيعة إلى جانب السنة في كثير من بلاد الوطن العربي والإسلامي هو مسألة تعود في أقدميتها إلى حوالي ألف وأربعمائة سنة. أما التعايش بين أبناء المذهبين فمسألة قديمة ومعروفة وتكاد تكون جزءا من النسيج الثقافي للمجتمعات التي عرفت مثل هذا التنوع. إذاً ما هو الجديد، وما الذي جعل بعض السنة ينظرون للوجود الشيعي وكأنه أمر طارئ لم يحدث إلا خلال العقود الأخيرة، وما الذي جعل بعض الشيعة ينظرون إلى السنة بنفس المنظار؟ ليس هناك صراع سوى على المصالح، أما الطائفية فهي ورقة يتم توظيفها من قبل المستفيدين وأصحاب المصلحة في تأجيج هذا الصراع.