مشاري بن صالح العفالق - اليوم السعودية من المحزن أن يبيع موظف حكومي ضميره من أجل حفنة من المال، دون أن يكترث بمصير الأبرياء الذين يدفعون ثمن جشعه، وبذات القدر يحزنني أيضاً أن تسجل تهم الفساد بحق صغار الموظفين من فئة المستنفعين دون مساس بالرؤوس الكبيرة التي تحتضن هؤلاء وتحميهم و تحقق المبالغ الطائلة. وفي حال اقتصرت المسؤولية على الموظف الذي لا يمثل أكثر من أداة لتنفيذ العمليات المشبوهة؛ فإن الفساد سيظل بمثابة الأفعى التي تغير جلدها محتفظةً بسمومها إلى أن يحين الوقت الذي تضرب به الجهات المعنية بمحاربة الفساد رأسها. ولنكن منصفين شيء رائع أن تعلن هيئة وطنية عن كشف أوجه من الفساد الذي ينهش في جسد المؤسسات العامة، لكن مصداقية الهيئة ستكون على المحك أمام الرأي العام في الفترة المقبلة إن ظلت الإتهامات تحيط بموظفين في أدنى السلم الوظيفي في حين لا تطال التحقيقات و التهم (هوامير الفساد). ومن جانب آخر لا يمكن أن يقبل الناس حينما تثور الضجة حول تلاعب كبير دفع المواطنون ثمنه باهظاً أن تخرج لنا الهيئة لتروي حكايات مرسلة عن أشخاص مجهولين، وفي مواقع غير محددة في المملكة، وكأنها تتستر من حيث لا تدري على المجرمين، و تكتفي بتنفيس غضب المواطن البسيط الذي يرى الفاسدين يتطاولون في البنيان ولاحول له ولاقوة. أتساءل عن الفرق الذي يمكن أن تحدثه هيئة مكافحة الفساد إن لم تعلن أسماء المجرمين؟ ومالفرق بين أطروحات الهيئة التي ترددها وسائل الإعلام هذه الأيام، وبين أحاديث المجالس المرسلة والتي لا تسند لأسماء ولايُعرف لها مصدر، طالما لا تحدد تصريحات مسؤولي الهيئة المذنبين، ولايتم بحقهم إيقاع العقوبات جهاراً نهاراً. شيء رائع أن تعلن هيئة وطنية عن كشف أوجه من الفساد الذي ينهش في جسد المؤسسات العامة، لكن مصداقية الهيئة ستكون على المحك أمام الرأي العام في الفترة المقبلة إن ظلت الإتهامات تحيط بموظفين في أدنى السلم الوظيفي في حين لا تطال التحقيقات و التهم (هوامير الفساد).قرأت تصريحاً لرئيس الهيئة الوطنية محمد الشريف حول عدم إعلان أسماء المجرمين الذين أدينوا بتهم الفساد والاختلاس والرشوة وسرقة المال العام وغيرهم، يبرر فيه التستر عليهم بأن أثر التشهير متعد إلى أسرته وأقاربه، وربما نسي أن الشريعة الإسلامية أقرت مبدأ التشهير في الحدود والعقوبات الرادعة دون النظر لحجة تعدي الضرر إلى الأسر. قد لايعلم قيادات هذا الجهاز الرقابي الذي نعلق عليه كثيرا من الآمال في مقاومة الفساد أن أغلبية المواطنين يعلمون من أوجه الفساد ما لا تعلمه الهيئة، ويعلمون بالاسم بعض الرؤوس المفسدة التي يكتوون بنارها يومياً في الدوائر الحكومية، لكنهم لا يمتلكون السلطة والوسائل والقوة والحظوة الإعلامية التي تمتلكها الهيئة. من منّا لا يعلم بوجود فساد أو محسوبيات في إجراءات التراخيص أو إيقاع الغرامات أو تصدير المنح في كثير من الدوائر الحكومية المركزية وغير المركزية، ومن لم ير بنفسه التفرقة بين حالة وأخرى مشابهة دون حياء من صغار المستنفعين وكبارهم. الأمر الآخر الملفت للنظر في تصريح رئيس الهيئة تأكيده على أن مكافحة الفساد ستشمل الرؤوس الكبيرة والصغيرة ولا يستثنى أحدا من العقاب، وهو المبدأ الأسمى الذي أسست من أجله الهيئة ويجب أن تناضل من أجله، لكن واقع الحال قد لا يبشر بتحقيق هذه الوعود، وإن كانت النوايا حسنة كما نعتقد. فكشف العلاقة المشبوة بين كبار الموظفين والمتنفذين وبين الموظف الذي يقوم بالتجاوز مقابل حفنة ريالات أو مصالح أو قربة تتطلب قدرات وإمكانات وربما صلاحيات أكبر من تلك التي تتاح لهيئة مكافحة الفساد بشكلها الحالي مع تقديري لاجتهاداتها والعمل الذي تقوم به. ودور الوسيط الذي تقوم به الهيئة بنقل شكاوى المواطنين للمباحث الإدارية والسلطات الأخرى لكنها بهذا الدور لن تكون فعالة وقادرة على كشف التجاوزات الكبرى التي لا تتوفر للمواطن البسيط الوثائق اللازمة لإدانة مرتكبيها. وحتى الحوادث الكبرى والتي مضى عليها سنوات مثل حادثة سيول جدة الأولى لازال الإفصاح بشأنها أقل من الواجب و لايزال الغموض يغلف الحكاية بل إن بعض المتضررين لم يصلهم الدور لاستلام التعويضات المرصودة لهم إلى يومنا هذا. وإذا كانت الهيئة تتطلع إلى سد الثغرات التي يلج منها الفساد في الدوائر الحكومية، فثمة ضرورة بأن تقوم بسد الثغرات التي لا تمكنها من أداء دورها كما يجب. أخيرا نحن بحاجة لتفعيل دور الهيئات الرقابية وإتاحة المجال للمجالس الوطنية ولهيئات مجتمعية لتؤدي دورا هاما في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لاسيما الفساد في الجهات ذات النفوذ والمخول لها تقديم الخدمات للمواطن حتى لا يضيع حقه هامور من هوامير الفساد أو موظف باع ضميره. فاصلة: رحم الله سمير المقرن الذي فقدنا بوفاته كاتباً و تربوياً وقبل ذلك إنساناً .. «إنا لله وإنا إليه راجعون».