(أ) أكثر الذين يعرفون الصواب هم الذين ارتكبوا الأخطاء ! و " التجربة " : هي مجموع الأخطاء التي نرتكبها في حياتنا .. تتراكم مع الوقت فتتحول عند العقل السليم إلى شيء نسميه " الخبرة " ! كتبت مرة : (الانتصارات تمنحك البهجة ، والهزائم تمنحك الحكمة) . وهذا الرجل – يا ولدي – حاصره ظلام الانكسارات حتى رأى ضوء الحكمة .. فجمع وصاياه الحكيمة لابنه " مالك " في قصيدة حفظتْها الذاكرة الشعبية . انه : الشريف بركات بن محمد بن مالك بن أبي طالب بن الحسن بن احمد بن محمد الحارث بن الحسن بن محمد أبو نمي الثاني . من قبيلة الأشراف الحرث. (ب) المكان .. والزمان : في شمالي شرق مكةالمكرمة، في وادي المضيق الذي يتصل به وادي نخلة من الجهة الشرقية، عاش الشريف بركات دون أن نعرف بالضبط تاريخ مولده ولا تاريخ وفاته. الراجح أنه عاش في الفترة الممتدة بين أواخر القرن الثاني عشر وأوائل الثالث عشر الهجري. وبالنظر إلى الفترة التي عاشها شاعرنا، ندرك سريعاً، كما تشهد قصيدته ذائعة الصيت، أنه عاصر أحداثاً جساماً على الصعيد السياسي. فهو قد عايش، وعن قرب، حكم الشريف سرور بن مساعد، أحد أهم حكام الحجاز الذين مروا في القرون الخمسة الأخيرة. تلك الفترة العاصفة التي شهدت عدة ثورات شريفية على حكم سرور لعل من أهمها ثورة الشريف عبدالله بن أحمد الفعر (1187ه) الذي جاء على ذكره بركات في قصيدته الكافيّة هذه تركت أثرها واضحاً على الشريف الشاعر الذي ابتعد عن صخبها وآثر العزلة وأطلق العنان للحكمة لتطبع بطابعها الأخاذ شعره وروحه. يقول الشريف الشاعر مخاطباً ابنه مالكاً ويحذره من مزالق السياسة ومخاطرها: واحذر سرور بغبة البحر يرميك = ولا عنده افلس من تشكّيك وبكاك واعرف ترى اللي واطي الفعر واطيك = و لا انته اعز من الجماعة هذولاك وما هذا التحذير الشديد من " سرور " إلا تأكيدٌ لبعض الروايات التي تُرجح شراكة الشاعر بركات ل " الفعر " في خروجه على " سرور " أو تأييده له على أقل الأحوال . كان بركات – بشكل ما – مهزوماً سياسياً .. ومن يعمل بالسياسة ، ويدخل في ألاعيبها ، ومناطقها الرمادية تبدأ تتصارع في داخله الطموحات والأخلاق ، وما يجب أن يُفعل وما لا يجب، وما تجره صراعاتها إليه من أشياء يتناقض معها .. ويرفضها أحياناً . انكسر " السياسي " داخله .. وولد " الحكيم " . الحكيم الذي يرى أبعد وأكثر مما يراه الطامح للسلطة . (ج) نجت هذه القصيدة من الإهمال ، وقاومت النسيان ، لأن الشعر الحكيم والحكمة الشاعرة عصيان على النسيان. (د) وهذه أبيات مختارة من قصيدته / وصيته ، والتي أوصيك – يا ولدي – بعدم الاكتفاء بقراءتها فقط .. بل بحفظها : إحْفَظْ دَبَشْكْ اللِّي عَنِ الناسْ مِغْنيكْ اللِّي لِيا بانَ الْخلَلْ فِيكْ يَرْفَاكْ إِجْعلْ دُرُوب الْمرْجَلَه مِنْ مَعَانِيكْ واحْذَر تِمَيِّلْ عَنْ دَرَجْهَا بمَرْقَاكْ والْهَقْوَةَ اَنَّكْ مَا تَجِي دُونْ اَهَالِيكْ ولا ظُنّْ عُودَ الوَرْدْ يُثمِرْ بتُنْبَاكْ والحُرّْ مِثْلَكْ يَسْتَحِي يَصْحَبْ الدِّيكْ وإنْ صَاحَبُهْ قاقا مقاقاة الاَدْياكْ مَنْ نَمَّ لَكْ نَمّْ بِكْ ما فِيهْ تَشْكِيكْ واليَاهْ قَدْ زَرَّى رَفِيقَكْ وَ زَرَّاكْ عِندكْ حَكَى فِينَا وَعِنْدِي حكَى فيكْ واَصْبَحْت كَارِهْنَا وَحِنَّا كِرهنَاكْ