ثار موضوع التصنيفات للجامعات، وهو دائما موضوعٌ ساخن، ولكن تقرير مجلة ""ساينس"" الأمريكية جعل الآن الموضوع ملتهبا، بل جرحا مفتوحا.. فالمجلة ليست من جرائد التابلويد ولا من وسائل ميديا الفضائحيات، إنها مجلة عريقة ورصينة ثم إنها علمية متخصصة، ولها باع طويل في الصنعة العلمية في كل الجامعات والمعاهد ومراكز الأبحاث والتقنية.. هذه المرة ليس الأمر فجّا، ولا ساذجا، فيجب ألا يتم التعامل معه بفجاجة وسذاجة؛ هذا من جهة.. ومن جهة أخرى، لم تعد تقبل الذائقة العامة ولا الرأي العام النفي من الداخل للداخل، لا يهم الرأي العام السعودي أن يقف ناس، مهما كانت مراكزهم الوظيفية، داخل جامعاتنا لنفي أو تخطي مجلة كونية رصينة وتعتمد على المصادر، وتحمل مسؤولية قانونية تعرفها هي قبل الآخرين.. فهذا لا يضمّد جرحا بل يزيده تورما، ولا يخمد نارا، حتى لا يطفئ شعلة شمعةٍ خافتة. النفي صار تكتيكا يخلو من كل وسائل الإقناع وتحوّل نمطاً لم يعد يهضمه المنطق.. وصار في أحايين مستفِزّا للذوق السببي العاقل.. على الجامعات ألا تلتفت إلينا في الداخل وتبرر تقرير مجلة ""ساينس""، وشاع الخبر في أرجاء الأرض ودار في ردهات الأكاديميا في كل صرح علمي.. هذا لا ينفعنا نحن الرأي العام ودهماء الناس في الداخل، ولا يفيد الجامعات، ونصبح كمن يحاول أن يتفيأ بظله والشمسُ تلسع قامة رأسه في ظهيرة قيظ مستطير. إذا كانت الجامعات السعودية التي ذكرها التقريرُ في مجلة ""ساينس"" صراحة ودون مواربة متهما إياها بالتعاقد مع شخصيات علمية مرموقة وبذل ثروة من المال من أجل تصعيد رتبة الجامعة في المقياس العالمي بريئة مما تضمنه التقرير، فعليها احترافيا ومهنيا وأكاديميا وقانونيا الوقوف في وجه المجلة وجرها للمحاكم ومتابعة القضية وتغريم المجلة فوق اعتذار يصل لأركان الدنيا، فالفضيحة هنا لا تجرح سمعة الجامعات بجرح بليغ وفي موقع حيوي فقط، بل تجرح سمعة دولتنا، وستقدمنا لقمة جاهزة ومفعمة بالمحدِّقات التي تجعلها أكثر لذة لأفواهٍ شرهة ومفتوحة في الإعلام العالمي، وعندها عيب علينا وفضيحة فوق فضيحة إن لمناهم، أو برّرنا في الداخل هروبا من مواجهة شجاعة مع المصدر الخارجي.. عندما تقدم سمعتك على صحن بلوري مجمل بأطايب المشهيات فلا تلُمْ الفمَ الجائع. ثم.. من قال إننا نحتاج إلى جامعات خارقة ومتصدرة جامعات العالم؟ خصوصا إذا كان للديكور العلمي العالمي، نحن لا يهمنا أبدا ذلك، الذي يهمنا أن يتخرج أبناؤنا وبناتنا بأفضل تزويد علمي ممكن يجعلهم ينافسون السنغافوي والكوري والهندي وجامعات دول لم نعرف عنها بأي تصنيف، وخريجوها يملأون وظائف الأرض في التقنية والعلوم والاقتصاد والإدارة والقانون.. هذا المهم. إن صارت الجامعات تتسابق كالعارضات على القشيب من المباني والأجمل من رجال الأكاديميا في العالم فهذا سمِّه أي شيء إلا أن يكون تعليما جادا، وتوجها رصينا للمبغى التعليمي. طيب، أنا لا أصدق ""ساينس""، لأني أحترم من يديرون جامعاتنا.. ولكن أعطوني ما يجعل مني مقنعا وصادقا.. وحتى ذلك الوقت فالناس سيصدقون مجلة ""ساينس"" ولن يأبهوا لي.. لعلي غدا أرى أمرين مهمين: رفع قضية ضد ""ساينس"".. والتركيز من الآن على أن يصعد الطالب، فإن صعد مستوى الطالب صعد مستوى الجامعة.. فقط لا غير!