قرأت ما كتب الدكتور عبدالعزيز علي الحربي متأنياً فأدهشني هذا المديح الذي انثال به قلمه ثناء وتزكية لشيخه ابن عقيل الظاهري، وقد جمعهما المذهب بعد ان خلت به الدنيا من اتباع له، الا ما ندر من مثل هذين النموذجين المقتدين بأشهر أشياخه ابن حزم، وتذكرت على الفور الحديث الذي رواه ابو بكر رضي الله عنه قال: مدح رجل رجلا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال ويحك قطعت عنق صاحبك مراراً، اذا كان احدكم مادحا صاحبه فليقل أحسب فلاناً والله حسيبه ولا أزكى على الله أحداً، أحسبه ان كان يعلم ذلك كذا وكذا. وقد قرأنا ثناء مبالغا فيه، يغيب عنه الحذر في أن يقول الانسان عن من اعجب به، ما قد يعرف الناس كل الناس عنه كل شيء، ولا يلمسون مما جرى به قلمه أو لسانه في مدح صاحبه شيئا الا ان كان القليل النادر، فما التزكية على هذه الصورة المبالغ فيها مما يصدر لا اقول عن العلماء بل عن صغار طلاب العلم، لما يعلم من محاذيرها، فاذا انضم الى هذا الثناء المزكى به صاحبك يا ابن علي الحكم على الغير، ممن كتبوا عن مواجهات ابن عقيل ان في كتاباتهم الكثير من التجني، وسوء الفهم، واساءة الظن، والتخليط، دون أن يهتز لك طرف، فإنك قد بالغت حتى تجاوزت كل حد، فأنت لم نستطع ان تذكر من هذا الذي وصفت شيئا، يصدق ما تقول، فاعتراضنا على بعض اقوال ابن عقيل لا يحمل شيئا مما تقول البتة، وتأويلك لعبارتين مما كتبت جانبه الصواب، فقولي: (ان ابن عقيل اذا عنت له مصالح متأخرة في التبرؤ من شيء فعل) انما هو ملاحظ يعرفه عنه من قرأ له وتابع ما ينشر، كما ان قولي): (فتراجع عن بعض ما فيها ارضاء لتيار هو اليوم في ما يظهر متقرب اليه) هي ملاحظة ثانية لواقع معاش، فأنا من سن ابن عقيل تابعته منذ ان كتب ونشر، اما تأويلك لقولي هذين بأني أعني أنه يغير دينه وفكره تبعا لهواه، فهو الفرية حقاً، واعظم البهتان فأنا لم أقله ولم اعتقده صفة في الشيخ بن عقيل وهذا التأويل انت المسؤول عنه وانت قائله، وبه اسأت الى شيخك عظيم الاساءة اما ان يغير الانسان افكارا آمن بها زمنا ثم رجع عنها ارضاء لتيار سائد فهذا امر لم يكن ابن عقيل به منفردا، بل سار معه على الدرب كثيرون، نراهم اليوم ولا مصداقية لهم من كثرة تراجعاتهم، وبعضهم يدعى له تلاميذه ومريدوه بأكثر مما نعت به شيخك - عفا الله عنك وعنه - والحمدلله انك رغم ما ادعيت انه كان بينك وبين الشيخ ابي تراب من ملاسنة، لعلها في طرف واحد كانت وجهت الى شيخك النصيحة ان يذكر محاسن ابي تراب وقد لقي ربه، ونسيت ان تلتزم انت النصيحة، وانت معترف معنا ببعض ما عبناه على الشيخ ابن عقيل مما اسميته الافراط في الرضا والغضب ونحن له في ذلك متابعون وله مدركون، وانت معه في الافراط عند الرضا والا لما كان هذا المقال الذي كله ثناء تزكي به صاحبك، ودعوى ان مذهب الظاهر هو الأول، الذي لم يوافقك شيخك عليه، فلا أحد من العلماء الذين يعتد بأقوالهم يوافقك عليه بل لم يذكره أحد قبلك فاذا ارتقى الأمر الى الزعم بأنه مذهب الصحابة رضوان الله عليهم كما تقول قبل الرأي والقياس، فقد عظمت الفرية، والرأي والقياس انما استقيناهما من اجتهاداتهم واجتهادات تابعيهم، ولم يسمع الناس عن الظاهرية الا بعد قرون وقد ظل هذا المذهب قليل الاتباع، وجل اتباعه من الافراد من مثل ابن عقيل، والاخ عبدالعزيز الحربي ممن ورثوا عن شيخهم الذي به عرف المذهب، اعني ابن حزم رحمه الله الحدة التي تدعوهم للافراط في المدح عند الرضا، وفي الذم والانتقاص عند الغضب، وما هذا بالخلق الذي يرتجيه الناس في العلماء. رحم الله ابن حزم ورحمكما معه، فكونا في جلبابه علما وقدرة واتركوا من اخلاقه ما يعاب عليه، فذلك لكما ولنا انفع فهل انتما فاعلان هو ما ارجو والله ولي التوفيق. •باحث شرعي [email protected]