محمد بن عيسى الكنعان - الجزيرة السعودية يفرقون بين العملين الدرامي والوثائقي بالنسبة للأعمال التاريخية، بأن الأول محاولة لمحاكاة أحداث حقيقية أو شخصيات تاريخية بافتراض حوارات ووقائع من نسج الخيال، مع المحافظة على بناء الرواية الأساسي، سواءً كان حدثاً أو شخصية، بينما العمل (الوثائقي) هو محاولة تجسيد فعلية بأدوات وشخصيات فنية للأحداث أو الشخصيات الحقيقية في مجمل الرواية التاريخية، ما يعني بالمجمل أن (العمل الدرامي) يميل إلى الخيال والمبالغة، بينما (العمل الوثائقي) يتجه نحو تأكيد الواقع المعاش بسرد المعلومات الصحيحة. لذلك يرى كثير من نقاد الدراما أن أول مؤشرات فشل العمل الدرامي لأية رواية تاريخية يكمن في لحظة تحوله إلى عمل وثائقي وكأنه سرد أو استعراض معلومات تاريخية. إذا التخيل والمبالغة هما حجر الزاوية في أي عمل درامي، وبهذا فالدراما ممارسة فعلية (للحرية الفكرية) نحو عالم الإبداع الفني، والحرية الفكرية هي واحدة من أبرز الحريات في الفلسفة الليبرالية، ما يعني أن الليبرالية تلقائياً تدعم الأساس الفلسفي للدراما، كونها ممارسة للحرية في إطار الفن، ولكن هل تخيل حوارات وافتراض ووقائع داخل الرواية التاريخية الفنية (سيناريو العمل) لفيلم أو مسلسل ُيمكن أن يكون مقبولاً في عالم الحقيقة أو يعتبر من قبيل الحرية الفكرية؟ ألا يعد ذلك تعدياً على الحق بنشر الأباطيل ؟، ألا تشبه الأعمال الدرامية بهذا النهج أكاذيب المدلسين في كتب التاريخ ؟ الذين ألفوا قصصاً وروايات لأحداث وشخصيات من نسج خيالهم. إني أفهم أن تبُدع الدراما التاريخية في الأساطير القديمة وقصص ما قبل الإسلام، فكيف بها في تاريخ الإسلام بأحداثه وشخصياته ودوله؟. هل يمكن قبول افتراض حوارات خيالية بين الصحابة الكرام حول قضية حقيقية كحادثة السقيفة مثلاً؟. بل كيف تتم المعالجة الدرامية للسيرة النبوية، التي تعتبر في الفكر الإسلامي المصدر الثاني للتشريع من واقع السنة النبوية المتمثلة بأقوال وأفعال وتقارير وصفات الرسول صلى الله عليه وسلم ؟ ببساطة كيف يستطيع أهل الإنتاج الفني والسينمائي أن يفصلوا في أي عمل تاريخي بين الدراما والتوثيق؟. الإجابة على ما سبق تتضح عندما نفهم أن موقف الليبرالية من الدراما التاريخية لا يقف عند ممارسة الحرية الفكرية، إنما في كون الليبرالية تتعامل مع الحقائق بشكل نسبي وليس بشكل مطلق، خاصة ً الروايات التاريخية وما يرتبط بها، لأن (النسبية) من خصائص الليبرالية، فليس في الليبرالية حقائق مطلقة، فكل شيء قابل للدراسة والنقد والشك والرفض أيضاً، فإذا كانت الليبرالية أساساً لا تؤمن بمسألة المقدسات الدينية، فإنها أيضاً لا تعترف بالرموز التاريخية التي لا تمس سواءً بالطعن في سيرها أو التشكيك في مواقفها الإسلامية، وعليه فالليبرالية تتحد مع الدراما في إخضاع التاريخ للنقد والشك والدراسة بكل شخصياته وأحداثه، وبالتالي يدخل في ذلك افتراض وتخيل روايات غير موجودة. وهذا يفسر الأخطاء الكبيرة في الأعمال الدرامية التاريخية، لذلك نجد أن الرؤية الإسلامية للدراما التاريخية محكومة بمسألة عدم الإخلال بالرواية الصحيحة المتواترة، وعدم تلفيق أو افتراض أحداث أو حوارات لأنها قد تكون أساساً لأحكام عامة في معاملات الناس لبعضهم وفقاً لتاريخ أسلافهم، بينما هي من تخيلات كاتب العمل.