نشرت الصحف المحلية خلال الأيام الماضية تحقيقات عن غلاء إيجار الشقق وغلاء الأضاحي. سألت الصحف الناس عن الحل؟ عند بعض الناس الحل في التسعير. التسعير في مثل حالة الشقق والأضاحي كلام فاضي. أولا، ليس باستطاعة الحكومة تطبيقه تطبيقا يحقق الأصلح للمجتمع. ثانيا، ليس فعلا مشروعا من ناحية شرعية. ثالثا، ليس فعلا ينصح به من ناحية اقتصادية. رابعا، لم تنجح أي دولة في تطبيق التسعير على السلع التنافسية، بما يحقق أعلى مصلحة للمجتمع، فهل حكومتنا أشطر من الحكومات الأخرى؟ مبادئ اقتصادية: 1. الأضاحي والشقق سلع تنافسية، لأن المنتجين (أعني مربي الماشية وأصحاب العمارات) بالآلاف. 2. لا وجود لتعاون أو تكتل أو تآمر في القدر المنتج أو الأسعار بين منتجي السلع التنافسية. 3. مصالح وظروف المنتجين متفاوتة تفاوت الناس في الثروة أو الصحة. 4. الأوضاع التجارية والظروف الاقتصادية والمصالح بين الناس وطرق الشراء والإنتاج والبيع، والكسب، وحساب الربح، والتسويق، وخصائص السلع، كلها معقدة، ولن تستطيع السلطة الإلمام بكل هذا. 5. السعر الذي يتقرر في سلعة سوقها تنافسية، هو أنسب سعر يمكن الوصول إليه، من ناحية تحليلية اقتصادية، وهو سعر عادل من ناحية شرعية. 6. من واجب الحكومة أن تهيئ الظروف لوجود سوق تنافسية، كما أن من واجبها أن تصدر القوانين التي تبين وتمنع الأساليب التي يقصد بها محاربة المنافسة، كما أن من واجبها أن تراقب تنفيذ ذلك، وأن تعاقب على المخالفة، مع إعطاء المتظلم الحق في اللجوء إلى القضاء. يجب أن يفهم جيدا، بأن ما قلته سابقا لا علاقة له بحق ولي الأمر (من بيده سلطة) في وضع المواصفات والشروط، ومراقبة المنتجين والأسواق، بهدف المحافظة على صحة وسلامة المستهلكين، وكشف ومنع تصرفات كالغش والنجش والاستغفال. أما من الناحية الفقهية، فهناك بحوث ودراسات فقهية كثيرة حول تدخل الحكومة في الاقتصاد والتسعير، وخلاصتها أن الأصل عدم التدخل في أموال الناس، وعدم إكراههم بغير حق، إلا عند وجود ظروف تقتضي تدخل السلطة بالتدخل المناسب. لا شك أن التسعير تقييد لحرية البائع وعدم اعتبار لرضاه أو سخطه بالقيمة التي يحددها صاحب السلطة. وهذا يعني وجود إكراه. فهل هذا الإكراه بحق ولا إثم فيه، أم أنه إكراه بغير حق بحيث يترتب عليه وقوع المسعر في الإثم؟ لن أدخل في تفاصيل هذا الموضوع لأن المقام هنا ليس مقام بحث فقهي، لكني أنقل مقتطفات من خلاصة بحث في حكم التسعير لهيئة كبار العلماء نشر عام 1396. • حكم التسعير في أجور العقار وهل هو داخل في حكم الممنوع أم الجائز؟ تقدم فيما سبق أن التسعير لا يجوز إلا بتحقق شرطين: أحدهما: أن تكون فيه حاجة عامة لجميع الناس. الثاني: أن لا يكون سببا الغلاء قلة العرض أو كثرة الطلب. • غلاء أجرة المساكن المعدة للكراء في مدن المملكة ليس نتيجة اتفاق أصحابها على رفع إيجار سكناها ولا الامتناع من تأجيرها، وإنما سببه في الغالب قلة العقار المعد للكراء، أو الكثرة الكاثرة من طالبي الاستئجار، أو هما جميعا، فتسعير إجار العقار بهذا ضرب من الظلم والعدوان.. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: عبد الله بن سليمان بن منيع. عبد الله بن عبد الرحمن الغديان. عبد الرزاق عفيفي. عبد العزيز بن عبد الله بن باز المصدر http://alodaib.com/news.php?action=show&id=547 الأصل في منع التسعير الخوف من إيقاع الظلم. روى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: غلا السعر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله سعر لنا. فقال: إن الله هو المسعر القابض الباسط الرازق، وإني لأرجو أن ألقى ربي وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة في دم ولا مال. أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح. ومعلوم أن رفع الظلم وتحقيق العدل بين الناس أصل من أصول الشريعة، ومن أول واجبات صاحب السلطة، والإخلال بذلك إخلال بأصل من أصول الشريعة، وإخلال بواحد من أهم واجبات من بيده سلطة. أكثر المجيزين للتسعير من المعاصرين يمكن القول بأنهم لا يجيزون تدخل ولي الأمر بالتسعير إلا حيث يجد خللا واضحا في السوق والأسعار ناشئا من عوامل مصطنعة - في هذا المجال ينظر مثلا إلى مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الخامس، الجزء الرابع، السنة 1409. الخلاصة أنه ينبغي التفريق بين السلع والخدمات في سوق تنافسية وسوق غير تنافسية، ففي النوع الأول لا يحبذ بصفة عامة قيام الحكومة بالتسعير، أما في الأخير فينبغي على الحكومة التدخل. هذا وبالله التوفيق.