لم يكن هناك أي وهم عند الشعب السوري في مقدرة الجامعة العربية، -بل وفي رغبة البعض من أعضائها- في إلزام نظام القتل والتشبيح في سورية لكي يوقف جرائمه التي فاقت ما فعله "نيرون" في روما. إذ أن نيرون قام ولليلة واحدة بحرق روما ليتفرج على اللهيب المتصاعد منها. بينما ما يزال "بشار أسد" يتابع هوايته في التفرج على تدفق دم الشعب السوري يسيل يوميا وفي كافة المناطق والمدن، وعلى مدى ثمانية أشهر، ولا يظهر أنه سيتوقف عن رعونته وإجرامه في ذبح الأبرياء السوريين. نحن لا نتهم مجلس الجامعة العربية زورا. فلم يكن هناك أي بند من البنود التي زعم أن النظام السوري وافق عليها، قد وضعت الجامعة له آلية لتنفيذه، عدا عن أن كل البنود قد كتبت بألفاظ حمالة أوجه يمكن اللعب عليها، وإعلام النظام السوري خبير باللعب على الألفاظ. كان على أعضاء الجامعة العربية أن ينتبهوا إلى أن هناك فريقين –لا النظام وحده- يجب أخذ موافقتهما على أي اتفاق ترعاه الجامعة: النظام السوري والشعب السوري. ما حصل أن اللجنة التي شكلها مجلس الجامعة برئاسة قطر انتظرت أكثر من ثلاثة أسابيع لكي تحصل على اتفاق هزيل قبلت به دمشق على مضض. لكن لجنة الجامعة لم تحاول -ولو لمرة واحدة- أن تستمزج آراء ممثلي الثورة في داخل سورية فيما ستقبل به الثورة أولا تقبل. وكما أسلفنا سابقا، فبدلا من أن يقوم النظام السوري بتنفيذ البند الوحيد الصريح من البنود التي وافق عليها النظام وهو إطلاق سراح المعتقلين بسبب الأحداث الأخيرة، وقد جاوز عدد هؤلاء المعتقلين خمسين ألفا، فها هو النظام يلعب على هذا البند ويطلب من أناس وهميين لا وجود لهم في صفوف الشعب السوري ليسلموا أسلحة ليست في حوزتهم ويدلوا بأسماء لا يعرفونها زودتهم بهذه الأسلحة وأمدوهم بالأموال لشراء الأسلحة، ثم بعد ذلك يطلق سراحهم. مندوبو مجلس الجامعة العربية لم يبادروا لفرض ما وافق عليه النظام من القرارات الضعيفة أصل. بل وضعوا أيديهم على خدودهم ينتظرون أن تفتح دمشق أبواب سورية أمام لجان الجامعة العربية ووسائل الإعلام للاطلاع على الوضع في سورية، كما جاء في القرارات، "وتعيش يا كديش حتى ينبت الحشيش". الدول العربية التي تشكل مجلس الجامعة لم تفهم –أو هي لا تريد أن تفهم- أين يكمن ألم السوريين مع هذا النظام الذي خبروه على مدى أكثر من أربعين عاما. لكن الشعب السوري حزم أمره وقرر مرة واحدة أنه لا يمكن التعايش بينه وبين نظام القتل والتشبيح فوق أرض سورية بعدما استباح الدم السوري، وكان من قبل قد صادر حرية السوريين وملأ بهم السجون، كما استباح خيرات سورية ووضعها في بنوك سويسرا، طوال حكم حافظ أسد وحكم ابنه بشار من بعده. نقول هذا الكلام الذي تعرفه دول الجامعة كما يعرفه السوريون. لكن لجنة مجلس الجامعة تصرفت وكأن الشعب السوري قاصر، وأقامت نفسها قيّماً عليه، وهو لم يفوض أحدا بأن يقرر مصيره نيابة عنه. حتى المجلس الوطني السوري الذي أعلن عن نفسه من استنبول ورفع االمتظاهرون رايات تؤكد أنهم يؤيدون هذا المجلس، فإن على هذا المجلس ألا يعتبر التأييد "توقيعا على بياض"، بل إنه وكيل عن المتظاهرين لمخاطبة العالم ليس أكثر، حيث لا يستطيعون هم ذلك إلا من خلال الفضائيات ومن خلال اللوحات التي يرفعونها أثناء التظاهرات. أما ما يقبله الثوار أو لا يقبلونه فلم يفوضوا به أحدا. لكن ما حصل أنه، وبعد حوالي أكثر من شهر، يقول البعض إن المجلس الوطني لم يستطع أن يوحد تصريحات كل أعضائه أمام الإعلام المرئي والمقروء بما يتفق مع ما أكده المتظاهرون أنفسهم بأن:"الشعب يريد إسقاط النظام". لذلك استغرب سوريون كُثُر تصريح "بسمة قضماني" عضو المجلس الوطني في ندوة على الجزيرة يوم الجمعة 4 تشرين ثاني الجاري. وقد فهم المشاهد أن "بسمة القضماني" تؤيد ما أعلنته لجنة مجلس الجامعة من قرارات قيل أن النظام السوري وافق عليها بدون تحفظ ، مع أن هذه القرارات، وبكلمة واحدة: "لا تطعم من جوع ولا تؤمن من خوف". الرئيس بشار أسد يريد أن يستثمر تأجيل مجلس الجامعة له، -اسبوعين بعد أسبوعين- للوصول إلى الإيقاف الكامل لسياسة القتل والاعتقال وهو ما لا يريد النظام الوصول إليه. فإنه، وخلال هذا التأجيل، يستمر نظامه في القتل والاعتقال وتشريد الناس. هذه السياسة فهمها السوري كما فهمتها الجامعة العربية، لكنها لا تريد أن تعترف بهذه الحقيقة. وإذا كانت الجامعة العربية لا تملك إلاالأمل بأن يوقف بشار أسد –متبرعا- قتل السوريين، فقد علم الجميع أن هذا الأمل وهم وسراب. إن على هذه الجامعة أن تنقذ ماء وجهها وما بقي لها من مصداقية ضعيفة وتعلن: أنها استقالت من مهمتها هذه وتقول: لكم الله أيها السوريون. وإلا فإن الجامعة ستكون شريكة للنظام –ولو بنسبة ضئيلة- بمنحه الفرصة تلو الفرصة وهو يدعي أنه يدرس الموقف، وهو لا يدرس إلا الوسائل التي توقع مزيدا من القتلى. بالأمس ودع السوريون كوكبةً من الشهداء المجندين الذين رفضوا توجيه بنادقهم إلى صدور المتظاهرين، فما كان من ضباط يعملون بإمرة "ماهر أسد" إلا أن قاموا بتوجيه رصاصهم نحو هؤلاء الجنود وتم تصفيتهم. وقد كان من هؤلاء واحد من أقربائي من قرية المغارة من جبل الزاوية واسمه "حمدو بن غسان الحمدو". وقد قام أهله في قرية المغارة بمواراته التراب في يوم وقفة المسلمين على جبل عرفات. رحمك الله ياحمدو وجعل مصيرك مع الخالدين في جنة الخلد.