لست ممن تغضبهم القرارات المبتكرة لوزارة العمل؛ لأنني أعتبرها وزارة خفيفة الدم وتحب المزاح مع المواطنين، فهي دائما ما تبتكر حلولا لا تخطر على البال كي تتخلص من ورطتها الدائمة مع ملف السعودة، ولن يكون غريبا لو جاء يوم تشترط فيه على من يريد التوظيف أو يبحث عن تأشيرة لعامل في محله الصغير أن يقبل كوعه وإذا لم ينجح في تحقيق هذه المهمة المستحيلة سوف تصرخ تحت أي كوبري يزدحم فيه مخالفو الإقامة: (شفتوا المواطن ما يبغى يحب كوعه وهذا تلاعب لن نسمح به على الإطلاق)!. فوزارة العمل التي عجزت منذ القرن الماضي (وهذه ليست مبالغة) عن سعودة مهنة سائقي التاكسي، تصر اليوم على سعودة مهن مثل راعي الغنم والخياط والحداد، فحين تأتي للوزارة كي تطلب تأشيرة لراعي أغنام يطلبون منك أن توظف سعوديا في هذه المهنة، تقول لهم إنك لن تجد شابا سعوديا يلبس نظارة شمسية وبيده بلاك بيري يقبل بالتجول مع الأغنام، ولكن التبرير الواقعي لا يمكن أن يقنع الوزارة لأنك في نظرها تتحول إلى متلاعب في ملف السعودة وأن أغنامك هي التي تعطل مشروع السعودة ويتسبب بثغائها المستمر في تعثر برنامج نطاقات، فلا تجد حلا أفضل من التلاعب بالقوانين على المكشوف كي تتوقف وزارة العمل عن المزاح، مثل أن توظف زوجتك (أخصائية اجتماعية للقطيع) ثم تعود إليهم لتقول: (حليت نسبة السعودة.. وأوقفت العنف الأسري بين الخراف والنعاج.. عطوني تأشيرة راعي أغنام)!. الوزارة خفيفة الدم تعرف أن الشركات العملاقة لديها آلاف الوظائف التي يشغلها وافدون، وتعلم أن الكثير من هذه الشركات تتلاعب بملف السعودة (على عينك يا تاجر)، بل إن أي شخص يدخل إحدى هذه الشركات يجد وسط جيش من الإداريين والفنيين الأجانب لدرجة أنه يحتاج إلى جواز سفره كي يخرج من هذا المكان ويعود للسعودية، ولكن الوزارة التي تجسد دائما المثل الشعبي: (أبوي ما يقدر إلا على أمي) تتجاهل كل ذلك وترفض إعطاء تأشيرة عمل لصاحب محل خياطة صغير وتطلب منه أن يبحث عن خياط سعودي، يقولون له بكل خفة دم: (أنت صاحب منشأة صغيرة ولازم توظف سعودي أو تترك وظيفتك وتعين نفسك مديرا لهذه المنشأة عشان تضبط نسبة السعودة)، بالطبع سيفرح هذا المواطن الذي (يطقطق) بمحل الخياطة بلقب (صاحب المنشأة) ولكنه لن يفهم أبدا لماذا لا يقوم زميله صاحب المنشأة الكبيرة بإدارة العمل مثله أو على الأقل توظيف سعودي لإدارة هذا الجيش الجرار من الوافدين، رغم أن صاحب المنشأة الكبيرة يحصل على مناقصات مليونية، بينما منشآته الصغيرة ليس لديها مناقصات أكبر من تفصيل ثياب العيد!. ولو جاء يوم يمكن فيه لوزارة العمل أن تتوقف عن المزاح وتدخل في الجد لقلنا لها إن الحلول غير الواقعية للوزارة هي التي تجبر الناس على التلاعب بالقوانين، وأن أي عاقل يعرف أن محلات التميس والحدادة والبنشر لن تمتلئ بالسعوديين دعما لبرنامج (نطاقات)، وكل ما سيحدث هو أن الناس سوف يبتكرون طرقا جديدة للاحتيال على هذه الشروط التعجيزية وتتخذ تجارة الإقامات شكلا آخر، فقد يأتي اليوم الذي يقوم فيه غلام الخباز بتعيين شاب سعودي جامعي بوظيفة (مدير الفرن) ويعطيه ألف ريال شهريا كي يأكل الناس التميس بهدوء وتقتنع وزارة العمل أنها قضت على البطالة!. * نقلاً عن "عكاظ" السعودية