هذا هو المشهد الثاني الذي حظينا به كمشاهدين بسبب وسائل العولمة، وهو مقتل حاكم عربي على الهواء. بعد صدام حسين جاء القذافي، القذافي نفسه الذي وقف أمام رؤساء الجامعة العربية محذراً وقال: «الدور جاي علينا». وقد صدق وعده وجاء عليه الدور، طالما أنه عرف أن الدور قادم فلم ترك الدور يأتيه؟ لأنه ظن أن من سيقتله هي أميركا، وليس شعبه لهذا سلم كل شيء لأميركا الأسلحة النووية والتعويضات الباهظة، وكل شيء، واستسلم لأميركا لأنه ظن أن أميركا وحدها من ستجعل الدور يأتي إليه، لكنه لم ينتبه حين ثارت تونس ضد رئيسها أن الدور سيأتي من هناك، ولم يعتقد سيف الإسلام الابن الذي خرج في التلفزيون بأصابعه الطويلة يعدد الكوارث التي ستحيق بالشعب إن ثار ضده أن الدور قادم من الشعب، حتى ولو لعبوا بسيناريو الثورة وأخرجوها عن نصها التونسي والمصري، وحولوها لحرب أهلية. كل ما استطاعوه أنهم حرفوا في السيناريو، لكن الثورة نجحت، والتكلفة صارت أصعب لكنها انتهت بنهاية أصعب لهم أيضاً، وجوههم الذاهلة والمطاردات والسحل أمام عدسات العالم. انتهت في الأخير بأن رقص الشعب الليبي كما أمر العقيد القذافي لكن على جثته. يقول العالم النفسي إن الحاكم الذي يجلس في الحكم أكثر من ثمانية أعوام يتحول إلى مستبد، فلا يعود يصدق إلا نفسه ولا يعترف إلا برأيه ولا يسمع إلا صوته، ويقولون أيضاً إن حسني مبارك لم يكن يحلم في سنوات حكمه الأولى سوى بشراء بيت لابنه جمال مبارك ب200 ألف جنية التي كانت في حسابه، لكن حلمه تحول بعد ثلاثين عاماً إلى رغبته ببيع مصر كلها لجمال مبارك «بالميتين مليار اللي حيلته»، أما زوجته سوزان فقد اكتفت بشراء القصر الجمهوري الرئاسي، وكتبته باسمها ظناً منها أنه بيت زوجها، وليس قصراً رئاسياً لإقامة الحاكم، ولا ندري من الذي باعه لها، لكن الصك الذي عرض في التلفزيون كان يحمل توقيعات كل من طلب منه التوقيع. كذلك يقول شلقم وزير الخارجية الليبي عن القذافي، إنه كان طيباً ومتواضعاً، ويسمع الشعر والموسيقي، لكنه بعد 40 عاماً منa الانفراد بالحكم صار لا يحب سوى ذبح معارضيه وتفجير الطائرات والمقاهي ودعم كل التخريبيين الذين يشبهونه. إذاً هذا هو الداء الذي نعرفه اليوم جيداً. داء التسمم بالسلطة تماماً مثل داء التسمم بالكحول أو المخدرات، أو ما يسمى بالجرعة الزائدة القاتلة، الإكثار من شيء يقود للحتف، لهذا لا تزيد عدد سنوات الحكم عن 8 سنوات في الغرب، بل ويقطعونها بترشيح جديد بعد أربع سنوات يذكرون فيها الرئيس أن جلوسه في المنصب مرتبطاً بجودة أدائه لا بسواد عيونه. اليوم ونحن ننتظر التصفية النهائية الأخيرة بين علي صالح وبين بشار الأسد مع توقع أن النهائي سيكون لصالح بشار على اعتبار أنه بدأ متأخراً، وبالتالي فإنه لا يزال يتمتع بلياقة قتل أكبر من صالح الذي أنهك وخرج من الملعب بإصابات فادحة لن تمكنه من الصمود أكثر، لكن صور سقوط القذافي منح اليمنيين والسوريين طاقة كبيرة وأشعل الأمل في دمائهم، بأن دور طغاتهم قد قارب على الحسم، لقد شهدوا في قتل القذافي رسالة إلهية يثق بها المؤمنون، ويرتعب منها الظالمون؟ هل نام الطغاة البارحة جيداً، أم أنهم أغلقوا شاشات التلفزيون والهواتف، وقالوا لأنفسهم شدة وتزول يا معلم؟