تُعرِّف هيئة الأممالمتحدة الكارثة على أنها (حالة مفجعة يتأثر من جرائها نمط الحياة اليومية «فجأة»، ويصبح الناس بدون مساعدة، ويعانون ويلاتها، ويصيرون في حاجة إلى حماية، وملابس، وملجأ، وعناية طبية، واجتماعية، واحتياجات الحياة الضرورية الأخرى). وتقول المنظمة الدولية للحماية المدنية إن الكارثة (حدث غير متوقع ناجم عن قوى الطبيعة، أو بسبب فعل الإنسان، ويترتب عليها خسائر في الأرواح وتدمير في الممتلكات، وتكون ذات تأثير شديد على الاقتصاد الوطني، والحياة الاجتماعية، وتفوق إمكانيات مواجهتها قدرة الموارد الوطنية، وتتطلب مساعدة دولية). وقد كانت الكارثة حدثاً غير محسوب، وغير ممكن التنبؤ به، حتى قام عالم الفيزياء (لرينيه ثوم)، في سنة 1972م، بالكشف عن نظرية الكارثة، وتعريفها على أنها طريقة رياضيّة لعلاج الفعل المستمر، الذي ينتج النتائج (غير المستمرة) المتقطّعة. وقد ارتبطت نظريته هذه بنظرية الفوضى إلى حد ما. وقد أرسى (لرينيه) من خلال نظريته طريقة لفهم التغير وعدم الاستمراريّة في النظم الكونية. ولشرح النظرية بشكل مبسط تخيّل زجاجة موضوعة على مكتبك، وهي في حالة استقرار، أو ما يسمى (بالتوازن المستقر)، ثم تخيّل أنك دفعت عنق الزجاجة بعيداً عنك ببطء وبرأس أصبعك، لمسافة ليست بالبعيدة، فستجد أنها تتحمّل التغير، وتمتصه بأسلوب مستمر (تقاوم السقوط). ولكنك عندما تزيل الضغط، تجد أن الزجاجة تعود لاستقرارها في موضعها الطبيعي. ولو فرضنا استمرارك بدفع عنق الزجاجة ففي نقطة ما ستسقط، محدثة تغيراً عنيفاً؛ بسبب عدم وجود وسط ثابت، إلى أن تصطدم بالمكتب، وتحدث الكارثة. إذاً بدراسة الأشياء، وخصائصها، ومستويات التوازن، والاستقرار، وكذلك بدراسة العوامل المؤثرة في هذا الاستقرار، يمكن التنبؤ بالكارثة قبل حدوثها؛ ما يسنح بالفرصة لتلافي وقوعها. وتهدف النظرية إلى أنّ المنظمات يمكن أن تتغيّر من خلال إدماج أساليب التغيير المستمرّة والمتقطّعة، بمعنى أوضح أن الزجاجة إمّا أن تكون قائمة، أو مائلة لأحد جوانبها؛ ما يمكن تداركه، أو أنها وصلت إلى مواقع عدم استقرار جوهري؛ ما يعني عدم القدرة على السيطرة عليها، وحصول الكارثة. وقد استخدمت نظرية الكارثة في دراسة تطبيقات حيوية عدة، مثل تبادل الأسهم، وتحرك الأحياء، وحركة الجسور، وغيرها، وكانت النتائج تعطي نجاحاً لا بأس به، وتبعاً لعدد المتغيرات، التي يمكن حسابها ودراستها. ومن الماحظ أن بعض الدول والمؤسسات لا تؤمن بهذه النظرية؛ ما يجعلها تلقي بكامل اللوم على القدر، أو على الخطأ الفني للمشغل، ولا تتحرك إلا بعد وقوع الكارثة. وهذا النوع من التحرك المتأخر يكون مكلفاً بدرجة عظيمة، من النواحي البشرية، والمادية، ويترتب عليه الكثير من التبعات اللاحقة، والمؤثرة في مسارات التشغيل، ودفع عجلة التنمية، التي قد تؤدي إلى قلب جميع المعطيات، والترتيبات المسبقة، والدخول في تفرع جديد، لا يقصد به إلا تلافي الأضرار الناتجة من الكوارث. والفوائد المترتبة على دراسة الكوارث، وتوقع حدوثها، تعطي مجالاً أوضح عند البدء في تكوين مشاريع كبيرة، أو طويلة المدى؛ إذ إنه من المريع أن تجد بعض المشاريع العملاقة تعمل ثم لا تلبث أن تنهار لمجرد عدم دراسة الوسط، الذي من المفترض أن يكون متوازناً لبقاء واستمرار وتطوير هذه المشاريع. فمصنع من أكبر المصانع يمكن أن ينهار ويختفي من الوجود، بمجرد وجود بعض الأسلاك الكهربائية المعرضة للالتماس. ومدينة برمتها يمكن أن تكون عرضة للكوارث الطبيعية، بمجرد عدم دراسة بنيتها التحتية بطرق علمية، والعمل على إيجاد الوسائل، والبدائل. وسفينة عابرة للمحيطات يمكن أن تغرق بسبب فأر. الكوارث لم تعد غامضة كما كانت في السابق، ويمكن أن تدرس وتحدد قبل حدوثها، ويمكن أن يتلافاها أهل العقول النيرة، ممن يعرفون أن الأرض أرث نالوه ممن قبلهم، وأن عليهم دوراً عظيماً بالمحافظة عليها، وعدم إهمال أي معلومة جاءتهم ممن سبقونا، مهما كانت تافهة في نظرنا. وعلى مستوى المؤسسات فالكوارث لا تحدث إلا بسبب مسؤول يعتقد أنه الأول والأخير في منصبه؛ فلا يسأل عن معطيات المسؤول القديم، ويبتدئ من الصفر، ولا يترك أثراً يُقتفى للمسؤول الجديد من بعده.