ما هي القاعدة التي سنتفق عليها لتكون هي المنطلق الشرعي ونحن نعلم أن الفضاء التقني يزخر بآلاف القنوات التي يدعي كل فريق منها أنه ضابط جوهري لمفهوم المنطلق الشرعي فيما نحن نعلم باليقين هذه الفروقات الهائلة حد حروب الأفكار في الجلسة التحضيرية لندوة الحوار الوطني حول الإعلام ومؤسسات المجتمع، والتي عقدت بمدينة أبها أربعاء الأسبوع الماضي تستطيع أن تلمس الطبيعي من الآراء حين ينقسم المتحاورون إلى ما يشبه فريقين: فريق يعتقد أن إعلامنا لا يمثل هوية هذا المجتمع ولا ينقل رسالته على الوجه الصحيح وفريق آخر يعتقد أن الجملة السابقة من رأي الفريق الأول مجرد مدخل لفرض الوصاية والرقابة عن طريق تمرير عشرات الموانع والمحاذير التي تقضم حرية التعبير وتصادر الرأي الآخر المختلف. ومن وجهة نظري الخاصة فإن مجرد طرح الإعلام لأي حوار كان سواء بين الأطياف المجتمعية فيما بينها البين أو بين الإعلام والسلطة الرسمية إنما سيفضي إلى مزيد من التوصيات وسن القوانين التي ستحاصر المربع الضيق في الأصل لهوامش المتاح المسموح. وفي البداية أود التأكيد على أن فكرة (الإعلام المحلي) كصانع وعي جمعي وأداة تشكيل مؤسساتي لتوجهات الرأي العام إنما هي وهم ضخم لا مكان له من قواعد الإعلام الحديث. كنت في طفولتي، بالمثال، صناعة قناة تلفزيونية واحدة ومطبوعة ورقية واحدة، وبالمثال، فإن عوالم جيل اليوم مسألة رقمية مدهشة يحتشد لها الفضاء بآلاف الأقنية وملايين الورق الإلكتروني التي تتدفق في الثانية الواحدة. هؤلاء من الجيل الجديد مسرح عمليات ثقافية عولمية، لا يصعب معها فحسب، بل يستحيل أن يكون معها الإعلام المحلي صانع هوية أو ناقل رسالة والأجيال الجديدة لن تنظر لمثل عنوان هذا الحوار إلا على الأساس الذي تؤمن به: مزيد من الحوارات من أجل سحب الثقة المهتزة في الأصل فيما يمكن أن يقدمه الإعلام المحلي ومزيد من الهروب إلى البدائل على ضوء اهتزاز هذه الثقة. مزيد من الحوارات إنما تعني مزيدا من المحاذير والموانع. وخذ بالمثال عنوان الجلسة الثانية حول: المنطلقات الشرعية للإعلام. فبقدر الإيمان بنبل العنوان وجمالياته وضرورته الحتمية كضابط لعمل الإعلام إلا أن السؤال: ما هي المنطلقات الشرعية التي نريد لها أن تكون وما هي القاعدة التي سنتفق عليها لتكون هي المنطلق الشرعي ونحن نعلم أن الفضاء التقني نفسه يزخر بآلاف القنوات والمواقع الإلكترونية التي يدعي كل فريق منها أنه ضابط جوهري لمفهوم المنطلق الشرعي فيما نحن نعلم باليقين هذه الفروقات الهائلة حد حروب الأفكار ما بين جل فصائل المدرسة الواحدة من (الإعلام الشرعي) إن صح المصطلح. واختم بالنقطة الأهم من مداخلات ندوة الحوار الوطني في شكوى الإخوة الفضلاء من المشتغلين بالخطاب الشرعي من أنهم لا يحظون بالفرصة المأمولة ولا بالحضور الذي يمثلهم جيدا في وسائط الإعلام ووسائله وهم يتهمون المدارس الأخرى بإقصائهم من هذه المنابر الإعلامية. تحديدا أقنية التلفزيون والصحف الورقية اليومية. وقد تكون شكوى الإخوة ذات مبرر، رغم أن نسبة حضورهم من عدمها تحتمل النقاش والجدل. لكن الذي يجب على هؤلاء الإخوة أن يدركوه جيدا أنهم لم يصلوا لما يأملوه من الشرائح الاجتماعية رغم عشرات القنوات التي تتحدث بلسانهم ليس إلا لأنهم لم يستطيعوا أن يفهموا أن الإعلام في الأصل صناعة ترفيه وفنون بينما هم يقدمون أنفسهم في قوالب تقليدية لا تستثير عالم اليوم وجيله الإلكتروني الرقمي. نقطة القوة الهائلة في إرث خطاب المشتغلين بالعمل الإسلامي هي أنهم صناع كتب وأبحاث جادة وأصحاب حوارات نخبوية لا مجال فيها للإثارة التي ينشدها الإعلام الحديث من أجل مزيد من الانتشار والشعبوية. الإعلام صناعة فنية موغلة في الحداثة والعصرنة بينما إرث الخطاب الديني صناعة ورق يكتب فيها مؤلفوها قضايا مجتمعهم الجادة ولهذا أعتقد أن عليهم أن يدركوا أن في السبب شيئا من طبيعة مهنتهم التي يصعب على الإعلام قولبتها كصناعة ترفيهية تجذب الانتباه وتستحق المتابعة والمشاهدة.