نجيب عبد الرحمن الزامل - اليوم السعودية .. لم يناقش مجلس الشورى موضوع التوصية المقترحة من إحدى لجانه بصرف مبلغ ثلاثة رواتب سنويا كبدل سكن للموظفين الحكوميين؟ ولابد أنه سيناقش لأنه على جدول العرض على الجلسة العامة، وسيحين دوره، ولا يمكن لأمانة المجلس سحب توصيةٍ مقدّمة من عضو أو من لجنة دون موافقة العضو أو اللجنة بأي حال، فلا مجالَ إلا بنقاشه والتصويت عليه، أو أن يقوم أصحابُ التوصية بتعديلها أو سحبها.. هذا من الناحية النظامية. لكن دعوني أتكلم عن الناحية الواقعية : ما الأفضل أن يحصل الإنسان على سكن كريم ومطابق للمواصفات العلمية والبيئية والصحية والاجتماعية؟ أم يحصل على بدل سكن يعزز عادة الاستئجار؟ مع الأخذ في الاعتبار أن بدلات صغار الموظفين لن تكفي لدفع إيجار سكن لائق، بل حتى أقل من لائق، وسيحتفل تجارُ العقارات برفع مؤشر الأسعار نتيجة لسيل الطلب، وأنا مع البدل لأنه إضافة مالية تنفع الموظف مع أن الغلاء المخطَّط سيأكله في النهاية، لكن لا أراه أبداً الحل المناسب للإسكان، الذي هو حقٌ لا يُمارى لكل مواطن خصوصا إذا كانت الدولة قادرة على تمويل مشاريع الإسكان. إن بناء مدنٍ سكنيةٍ جديدةٍ تبدأ في الحال أفضل من مدن اقتصاديةٍ واستثماريةٍ مع أهميتها، السكنُ أول ما يربط الإنسان بوطنه. أرجو أن أكون مخطئا حين أقول : إن من لا سكن له لا ارتباط له بأي أرض. لا أحب أن يكون هذا صحيحا، وأخاف أن يكون الواقع. لقد فاتتنا في بدايات التنمية فرصةٌ من ذهب، يوم كان المالُ أكثر وفرة، والمرافقُ لم تتعقّد، والبنية التحتية لم تتوسع وتتهتك كما هو حاضر الآن بكبريات المدن، والفرصة أنه كان في قدرتنا أن يكون هناك مشروعٌ إسكاني ملحق مع كل وزارة، بمعنى أن تخصص أراضٍ كافية لكل وزارة في كل منطقة وتبنى بها أحياء يتملكها الموظفون، ويكون على الوزارة التعامل مع موظفيها في خدمة وصيانة وأمن مرافق الأحياء. تصور لو أن هذا حصل فعلا لخرجنا بمدن جميلة رائعة التخطيط، وكل حي له حدوده وتخومه ومداخله تسهل خدماته ويسهل حفظ الأمن داخله، ويمكن التوسع الشبكي أو الخلوي مع الزمن .. وستتبع شركات القطاع الخاص. كان هذا في متناولنا، وكان سينتج عنه مجتمع أكثر نظاما وتنظيما وسهولة حياة بحكم أن كل حي سيكون قرية لها خدماتها الأساسية كالمدارس والأسواق والأمن والمرافق الحكومية، وربما خصص جزء من ميزانية كل وزارة للمساهمة في هذه الخدمات. هل تعدينا هذه المرحلة؟ لا أدري! وبالأكيد التطبيق صار أكثر صعوبة، ويمكن الدولة الآن أن تسرّع ببناء المشاريع الإسكانية كعنصر استراتيجي أولى لتماسك كامل المجتمع، وأن تبدأ أيضا بتشجيع مشاريع بناء المرافق والأحياء المرتبة الإسكانية من القطاع الخاص بتنظيم عام تنفق عليه الدولة وبأسعار في النهاية مدروسة لا ترهق ميزانية الدولة، ولا تربك ربحية الشركات بلا إفراط هنا ولا تفريط هناك. إن بناء مدنٍ سكنيةٍ جديدةٍ تبدأ في الحال أفضل من مدن اقتصاديةٍ واستثماريةٍ مع أهميتها، السكنُ أول ما يربط الإنسان بوطنه. أرجو أن أكون مخطئا حين أقول: إن من لا سكن له لا ارتباط له بأي أرض. لا أحب أن يكون هذا صحيحا، وأخاف أن يكون الواقع