د.خالد صالح الحميدي - الاقتصادية السعودية قصص محيِّرة نسمعها، أو نقرأ عنها، بين الحين والآخر، دون أن ندقق السمع والنظر فيها، تحكي عن عرب، جلهم مسلمون، برعوا في شتى الحقول، خاصة العلمية، ولكنهم، قُتِّلوا أو سجنوا، أو لم يعد يُسمع لهم خبراً! ابن صديق لي، في إحدى البلاد العربية، درس في إحدى الجامعات الأوروبية، نبغ في الرياضيات، فطُلب منه التدريس في نفس الجامعة، ولكنه اعتذر.. ففُبركت له بعض الإشكالات والإزعاجات.. ما أدى بوالده أن يستدعيه للعودة، ثم أرسلت له شهادة التخرج بالبريد، فرح بها، ولكنه، حنّ للعودة للجامعة، فعاد، وهناك كانت المصيبة، حيث دُبر له جو من الاستمتاع بالمحرمات حتى أدمن، فانزوى حتى مات وهو في بدايات حياته! وآخر، برع في علم الذرة، وهو لغاية الآن يعمل لحساب الغرب، حتى إذا أراد أن يرى أهله وأقرباءه سُفِّر على متن طائرة خاصة إلى إحدى القواعد العسكرية للاجتماع بهم ومن ثم العودة على نفس الطائرة! قصص كثيرة نسمعها عن "الأدمغة العربية" التي برعت في مجالات شتى.. ولكنها، لم تلاق تشجيعاً في بلدانها، وعالم عربي غارق بالمتاهات والفقر والأمية. ضمن هذا السياق، قد تتشكل قصة حميدان التركي، حيث، للآن، ترفض لجنة الاستئناف ترحيله إلى السعودية، بل، تم تأجيل النظر في ذلك لمدة سنة كاملة! قصة حميدان من تلك القصص المحيِّرة! فهو مبتعث سعودي للحصول على الدكتوراه، بعد أن حصل على الماجستير في الصوتيات، بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، وحصوله على "جائزة الأمير بندر بن سلطان للتفوق العلمي". أخذ حميدان زوجته وأبناءه الخمسة معه إلى أميركا، وتميَّز بنشاط اجتماعي ملحوظ، حيث ترأس المدرسة السعودية، ومدرسة الهلال الإسلامية، بالإضافة لترؤسه مجلس مسجد "بولدر"، وامتلك داراً للنشر الصوتي، مما جعل له الكثير من الأصدقاء. وبعد 11 سبتمبر عرضت المباحث الفيدرالية على حميدان أن يتعاون معها في بعض الأمور المتعلقة بالتقنية الصوتية كونه متفوقاً في هذا المجال، خاصة أن هذا العِلم أثبت أن البصمة الصوتية لا تتكرَّر لأكثر من شخص تماماً كبصمة الأصبع، وأن علماء الصوتيات قادرون على تمييز الصوت الأصلي من الصوت المزور، فرفض حميدان.. عندها، هدَّده مكتب التحقيقات الفيدرالي.. وبدأت المشكلات. ففي نوفمبر 2004 تم اقتياده وزوجته، والخادمة الإندونيسية، إلى السجن بتهمة مخالفة الخادمة لقانون الهجرة، وبقي الأبناء الخمسة في المنزل دون رعاية.. هذا في أمريكا!؟ وفي التحقيق أفادت الخادمة أن أسرة حميدان تعاملها كفرد من أفراد الأسرة، فتم الإفراج عن حميدان وزوجته بكفالة مالية، ولكن، جرى التحفظ على الخادمة التي استمر الضغط عليها لتغيِّر أقوالها وتدَّعي بأن حميدان تحرَّش بها جنسياً وأساء معاملتها، فرضخت وانصاعت لتحصل على تعويض مادي، مع إقامة، ووعود بعدم محاكمتها، كونها مخالفة لأنظمة الهجرة، وبناءً على ذلك، تم القبض على حميدان وزوجته واتهامهما بالتهم الجديدة، وكشرط تعجيزي، طلبت المحكمة كفالة 150 ألف دولار للزوجة و400 ألف دولار لحميدان، وقامت حكومة خادم الحرمين الشريفين بدفع هذه المبالغ. ثم، حين قررت الخادمة الإندونيسية التراجع عن أقوالها تلقت تهديداً إن فعلت ذلك، فتمسكت باتهاماتها السابقة، فحكمت المحكمة على حميدان بالسجن 28 عاماً، ثم صدر تخفيف إلى 8 سنوات، يُستدعى بعدها، فإن أقرَّ بذنبه يطلق سراحه، أو يتحول الحكم إلى: السجن مدى الحياة!؟ ولم تنته المأساة هنا، بل، كما يفيد حميدان، قامت السلطات بحلق لحيته! وبتثبيت حلقات صاعقة بجسده، كما وضع في سجن انفرادي، ثم تم نقلة إلى سجن آخر، كل ذلك دون إبلاغ محاميه أو أهله. لا بل، قام الادعاء بإسقاط الدعوى المرفوعة على حميدان في المحكمة الفيدرالية لكي يتم إضعاف سلطة وزير العدل الأمريكي، بحيث لا يتمكن من التدخل إذا تحولت القضية إلى المحكمة الفيدرالية، لأن حكومة المملكة تمارس الضغط على مستويات عالية لإنهاء هذه القضية. يبقى أن حميدان باشر بتعليم السجناء اللغة العربية فور نقله لسجنه الجديد، بعد أن ألقى كلمة مؤثرة أمام المحكمة.. عظيم هو كسائر العظماء في سجونهم! فهل نسمع، مع الأيام، بسجن شخص آخر بسبب مزاعم واتهامات لا تمت للحقيقة بصلة؟