عادة ما تتغيّر المعادلات الاجتماعية والداخلية إذا ما تعرّضت لأحداث اجتماعية أو سياسية أو غيرها، فتترتب تحالفات جديدة، وتنفك تحالفات قائمة، وتتغيّر أشكال القوى، ويكون الإنسان أمام صورة لم تكن قائمة بهذا الشكل أو ذاك قبل ذلك الحدث أو ذلك المؤثر. فلان الحليف لذلك الشخص قد ينتقل من موقعه إلى موقع آخر فلا يعدّ حليفاً، وفلان البعيد عن ذلك الشخص قد يتحوّل إلى قريب، وهكذا كلما تحرّكت الأحداث أو طرأت المؤثرات، تغيّرت الخرائط الاجتماعية. الأمر شبيه بملعب كرة القدم، فحارس المرمى حين يستعد لضرب الكرة برجله إلى وسط الملعب يكون للاعبين تشكيلة معينة، لكن بمجرد أن تنطلق الكرة يتحرك اللاعبون في الملعب استجابة لحركة الكرة، فتتغير التشكيلة القائمة، وكلما تحركت الكرة أكثر تغيّرت التشكيلات تبعاً لذلك. هذا التغيّر في الخريطة الاجتماعية - إن صحّ التعبير - يجب ألا يكون مزعجاً، بل هو أمر طبيعي وقائم في كل مكان وفي أغلب الأحداث، ومطالبة أي ساحة من الساحات بثبوت معادلاتها وجمود تحالفاتها، وديمومة صورتها القائمة هي أمر مُحال. ستقبل البلاد كلها في أيامنا القادمة على الانتخابات البلدية الثانية، وهي حدث له ظلاله الاجتماعية وله مؤثراته الداخلية، والتسلح بمقدار كافٍ من الحِكمة والوعي والنبل الأخلاقي سيجنّبنا الكثير من المشكلات التي عصفت بمختلف مناطق ومحافظات ومدن المملكة في الانتخابات السابقة. لنتذكّر أن من حق من لا نقتنع به ألا نسيء إليه، فالإساءة حرام، ولنتعلم القبول بالنتائج دون هياج وانفعال، ولنعوِّد أنفسنا التصفيق لمن نافس مرشّحنا إذا نجح، لأننا لو فعلنا ذلك فسنُنْجح كل العملية الانتخابية.. إن التسليم بأن هناك تغيّرات تحدثها الانتخابات في أي مجتمع هو أمر مهم وله فوائد عدة: إحدى فوائده ألا يتفاجأ أي طرف بالتغيّر الذي يطرأ على الساحة، ولا يُصدم بمواقف الأشخاص ودعمهم الذي كان يعتقد أنه في صالحه ومع حملته الانتخابية وبرنامجه الذي عرضه على الناخبين، لأن المفاجأة قد تؤدي لردة فعل لم تنل نصيبها من التعقل والتروّي. والفائدة الثانية هي ألا يتحوّل التصويت الذي هو حق للناخب - وله فيه مطلق الحرية - إلى غضاضة اجتماعية، تتسبب في التباعد وقطع العلاقات، وإيغار الصدور. إن ثقة المرشَّحين ومن يُدير حملاتهم الانتخابية بإمكانية الفوز والنجاح وتحقيق التوقعات، يجب أن يرافقها وعي بإمكانية الهزيمة والفشل، ولهذا أهمية كبيرة، لأنه يعزز في نفوسهم القدرة على استيعاب النتائج مهما كانت صادمة ومخيّبة للآمال وبعيدة عن التوقعات. أما الفائدة الثالثة فتظهر في عدم القبول بالخوف والهيبة من ممارسة الحرية المطلقة في إبداء الرأي وإعطاء الصوت لأي طرف، ما دام محل قناعة وثقة في قدرته على أداء الدور المطلوب، إن وعي الناخب بأن صوته قد يوجب التقدّم لهذا المرشّح أو ذاك، يجب أن يدفعه للتمسّك بصوته ووضعه، حيث يقتنع ويتأمل، وألا يعيش هاجس الزعل والرضا مع الآخرين، لأن ذلك – الزعل والرضا - إفراز طبيعي يحصل في كل المجتمعات وكل الانتخابات في العالم، وعلاجه الوحيد هو الوعي والقبول بالنتائج كما هي، والتعامل معها بروح رياضية. ليدعم كل منا من أراد فذلك حقه، ولنصوّت لمن نريد فهذا حقنا، ولنبشر بقناعتنا للآخرين فلا أحد له الحق في منع الآخرين من دعم هذا المرشّح أو ذاك، ولكن.. لنتذكر أن من حق من لا نقتنع به ألا نسيء إليه، فالإساءة حرام، ولنتعلم القبول بالنتائج دون هياج وانفعال، ولنعوّد أنفسنا التصفيق لمن نافس مرشّحنا إذا نجح، لأننا لو فعلنا ذلك فسنُنْجح كل العملية الانتخابية.. والأمل هو أن نرى من فاته النصيب من المرشّحين يضع كل إمكاناته وقدراته وأفكاره تحت تصرّف من حالفه الحظ؛ لأن بلده وأهله يستحقون منه ذلك، كما أنهم أكبر منه مهما طال سجل شهاداته، ومهما تعدّدت كفاءاته.