من منا كان يتخيل أن يتكرر ما حدث في طهران قبل نحو ثلاثة عقود حينما قام مئات المتظاهرين باقتحام مقر السفارة الأمريكية في أعقاب ثورة الخميني، واحتجاز من بداخلها مرة أخرى .. نعم حدث ذلك بالفعل في مصر ولكن في السفارة الإسرائيلية هناك. وسط ما تشهده مصر من أحداث متصاعدة واختلاف في الرؤى بين القوى السياسية والدينية. ومع رغبة قوى خارجية في إضعاف مصر وإبقاء حالة الفوضى فيها شهدت القاهرة قبل أيام واقعة غريبة وخطيرة تمس بأمن مصر ومن شأنها أن تزيد من كم الضغوط المتراكمة عليها في ذات الوقت. كان الهدف يوم الجمعة الماضي هو الخروج في مليونية حاشدة لتجديد دماء الثوار والتأكيد على مطالب الثورة، وسميت بجمعة تصحيح المسار والمكان كالمعتاد ميدان التحرير ولمن لا يعرفه هو أكبر ميادين مصر وأعرقها ، بعض القوى السياسية وافقت على المشاركة والبعض الآخر رفض خوفاً من أن يكون هناك محاولة من قبل البعض للدخول في مواجهة مع المجلس العسكري الحاكم ، البعض كان يتخوف من دعوة تؤدي للصدام مع قوات الشرطة لإجبارها على تغيير أسلوب معاملتها لأفراد الشعب، ووسط هذا التباين في الآراء ظل البعض يطالبون بالتوجه إلى مقر السفارة الإسرائيلية وهدم الجدار الذي بني حولها لحماية طاقم السفارة ، وبالفعل توجه الآلاف لمنطقة الجيزة حيث مقر السفارة وقاموا بتحطيم الجدار، ومع تزايد الحماسة وشعور من تواجد هناك بأن لديه القدرة على تحطيم إسرائيل وفجأة ودون سابق إنذار صعد العشرات لمقر السفارة وقاموا بالدخول لأحد الطوابق التابعة للسفارة ولم يكتفوا بذلك بل قاموا بإلقاء أوراق ومستندات السفارة من النوافذ. وكان الصدام وكانت معارك الكر والفر بين المتظاهرين وقوات الأمن من الشرطة والجيش ولتجد القيادة المصرية نفسها في موقف لا تحسد عليه خاصة وأنه يتعارض مع المواثيق الدولية الخاصة بحماية المنشآت الدبلوماسية للدول الأجنبية. وبدا الأمر وكأن هناك رغبة خارجية من طرف ما يحاول العبث بأمن مصر واختراقه، والعمل على إدخال مصر في مواجهة مفتعلة مع إسرائيل وهو الأمر الذي حاولت تل أبيب ذاتها استدراكه. فما قاله نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية يؤكد ذلك إذ أشار بقوله إلى أن "السلطات المصرية عملت بصرامة وحررت رجالنا، تستحق الثناء والشكر" ومع ذلك، يحظر أن ينتقلوا في مصر لجدول الأعمال المعتاد ويتركوا ما حدث من مساس بالغ في نسيج السلام مع إسرائيل، والانتهاك الصارخ للمعايير الدولية. لكن هناك في إسرائيل على النقيض من هذا الرد بأن ما حدث يوضح أن المجلس العسكري لم يحارب الإرهاب وعناصر القاعدة فى سيناء، بل على العكس قام بالتحالف معهم وإبرام اتفاق للتعاون الأمني فيما بينهم لتأمين سيناء على أن تتحمل هذه الجماعات أو تأخذ على عاتقها مسؤولية حماية الحدود المصرية - الإسرائيلية فى سيناء. حادث السفارة الإسرائيلية دفع أكثر من محلل إسرائيلي للحديث عن تداعياته على العلاقات مع مصر ، إذ أشار ألوف بن إلى أن المخاوف التي أثارها "الربيع العربى" في إسرائيل تحققت في نهاية الأسبوع الماضي، عندما اقتحم المتظاهرون السفارة الاسرائيلية في القاهرة، مشيراً إلى أن ما حدث يعيد للأذهان ما حدث أثناء الثورة الإسلامية في إيران في العام 1979. فيما أكد تسيفي بارئيل أن المظاهرات المستمرة أمام السفارة الإسرائيلية ورفع العلم الإسرائيلي من على السفارة، توضح أن الانتقاد الجماهيري يتمثل في أن مصر تظهر في صورة الدولة الضعيفة في مقابل تركيا التي لم تتردد في طرد السفير الإسرائيلي لديها، وقال إن السؤال الآن هل يعنى ما حدث نهاية العلاقات القائمة بين إسرائيل ومصر؟ وأجاب عن ذلك بقوله كلا الجانبين يؤكد أن اتفاق السلام بينهما مجمد، ولا يعمل به الآن، وأن كل ما يمكن أن تقوم به الحكومة المصرية هو تأمين عمل طاقم السفارة الإسرائيلية.، وأنهى حديثه مطالباً بضرورة احتواء الأزمة والتفريق بين السلطة المصرية التي لم يصدر منها حتى الآن أي تصريح من أي نوع، وبين المتظاهرين. ومهما كانت دوافع المتظاهرين من وراء ما حدث، ومهما بلغ حد العداء والكراهية لإسرائيل فإنه لايعقل أبداً أن يتم ارتكاب تصرف خارج عن السيطرة كان من شأنه أن يزيد من حجم الضغوط على مصر، وكان من شأنه معاذ الله أن يدخلها في مواجهة غير مبررة مع العدو الإسرائيلي الذي لا يختلف اثنان على كراهيته .. حمى الله مصر وأبعد عنها الأيادى الخارجية وحفظها من عبث العابثين..